خطاب الرئيس الأميركي استهدف زعزعة ولاء الجيش للرئيس العراقي

TT

ربما كان الخطاب الذي وجهه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الى الشعب الاميركي مساء الاثنين، من أهم خطبه حتى الآن. فهو شرح بالتفصيل الاسباب التي تدفعه لاتخاذ قرار الحرب على العراق، رغم ترداده ان هذا لا يعني انه لا يمكن تجنب الحرب، ومع قوله ان اخطر ما في النظام العراقي هو طبيعة النظام نفسه. كانت طريقة الرئيس بوش في سرد قائمة الاسباب امام الرأي العام الاميركي ـ اختار سينسياتي في ولاية أوهايو ـ شبيهة بالطريقة التي اعتمدها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون، عندما اتخذ قرار الحرب ضد الصرب في كوسوفو. يومها وضع كلينتون خريطة وشرح فيها للشعب الاميركي اين تقع كوسوفو!

ومع قوله انه صديق للشعب العراقي، وجه بوش تحذيرا لكافة الوحدات العسكرية العراقية، إن نفذت اوامر الرئيس العراقي واستعملت الاسلحة البيولوجية والكيمياوية ضد القوات الاميركية، فإن قادتها سيحاكمون كمجرمي حرب. في خطابه اراد الرئيس الاميركي التفريق بين الشعب العراقي وصدام حسين، وزعزعة ولاء الجيش والجنرالات للرئيس العراقي.

تعليقا على الخطاب «الرئاسي»، وعما اذا كانت الحرب لا بد واقعة، قال جورج فريدمان، الخبير السياسي والامني الاميركي وناشر «ستراتفور»، النشرة الاستراتيجية ـ الامنية، ان الرئيس بوش قصد اولا ان يبلغ الرأي العام الاميركي ما سيحدث في الاشهر القليلة المقبلة، «واذا راجعنا الخطاب بهدوء نلحظ انه لم يتح اي مجال للتفاوض او المحادثات. ورغم انه وافق على فكرة اصدار قرار دولي جديد، الا ان الرئيس اوضح انه اذا لم يصدر قرار جديد، فإن الولايات المتحدة ستذهب الى الحرب. لقد قال ان صدام حسين يشكل خطرا على الولايات المتحدة، وستعالج الولايات المتحدة هذا الخطر. كما انه قال للذين لن يدعموا الولايات المتحدة، بأن اميركا ستتصرف معهم لاحقا».

وسألت فريدمان عما اذا كان الرئيس بوش اجاب عن كل الاسئلة؟ فقال: مر على العديد من الاسئلة، أكد على دور تنظيم القاعدة، انما لم يبرهن عن تورط العراق مع القاعدة، بل قال: آجلا ام عاجلا سيكون صدام حسين خطرا على اميركا، فلماذا الانتظار؟

ولكن، هل ستكون اطاحة صدام حسين بمثابة الخطوة الاولى للقضاء على كل «الديكتاتوريين»؟ يقول فريدمان: كلا، لقد وصفه الرئيس بأنه حالة فردية (UNIQUE).

وهل سينال الرئيس التفويض من الرأي العام الاميركي للذهاب الى الحرب، حتى اذا لم يصدر قرار دولي من الامم المتحدة؟ يجيب فريدمان: بكل تأكيد. ان الشعب الاميركي يميل الى الحرب، والديمقراطيون يتخوفون من مقاومة مثل هذا القرار، لأن شعبية الرئيس ما زالت مرتفعة.

ويضيف: «هناك نقطة يجب ان يفهمها بقية العالم، وهي ان عمليات11 ايلول (سبتمبر) 2001 غيرت بشكل جذري عقلية الشعب الاميركي، فإذا قلنا ان صدام حسين ربما غير متورط مع تنظيم القاعدة، يأتينا الجواب: وربما يكون متورطا، اذن علينا ان نواجهه. وهذا ما اعتقد ان العالم العربي غير مدرك له. بالنسبة للعالم العربي عمليات11 ايلول رهيبة، ولكن هناك اشياء رهيبة اخرى كثيرة في العالم، اذن الحياة تستمر، لكن بالنسبة الى الشعب الاميركي، كل شيء تغير ذلك اليوم».

ومع استبعادي ان يسمح الرئيس العراقي لشعبه بأن يستمع الى خطاب الرئيس الاميركي، يوضح فريدمان: «هناك الكثير من الاذاعات الاميركية الموجهة للعراق من الكويت ومن حاملات الطائرات». ويضيف ان الخطاب موجه الى القيادة العسكرية العراقية العليا، فقد حمّل الرئىس الضباط العراقيين مسؤولية تنفيذ الاوامر، وابلغ القيادات العليا انها في مشكلة صعبة. من جهة هناك صدام، ومن جهة اخرى هناك الاميركيون. وتعرف هذه القيادات ان الاميركيين قادمون.

ولكن ماذا عن الدول المجاورة للعراق، وكيف يعتقد فريدمان انها فسرت هذا الخطاب؟ يقول: الاتراك ليسوا متحمسين للحرب، بل قلقون من تطور كردي قد يخلخل الاستقرار لديهم، الايرانيون سعداء، لانه يهمهم ما بعد العملية العسكرية. أما الدول الاخرى المترددة فستقول انها غير قادرة على مقاومة الولايات المتحدة، فصدام ذاهب في النهاية، وهي سوف تتأقلم مع الوضع.

القسم الاول من الحديث مع جورج فريدمان بدأ قبل القاء الرئيس بوش خطابه، وقال خلاله انه يعتقد ان الحرب ستقع قريبا، انما تعتمد على تطورات داخلية يمكن ان تقع في العراق، وتوقع حدوث الحرب خلال ستين يوما تقريبا. وكان وزير الدفاع الاميركي، دونالد رامسفيلد، قال انه يمكن تجنب الحرب اذا اختار صدام حسين وعائلته المنفى. واقول لفريدمان: اننا نعرف جميعا ان صدام حسين لن يغادر العراق؟ يجيبني: اذا لم يغادر العراق فسوف نذهب اليه؟

ـ لقتله؟

يرد فريدمان: محتمل جدا، لكن الاهم هو ان يحصل تغيير جذري في النظام العراقي، وتتأكد الولايات المتحدة ان اسلحة الدمار الشامل لم تعد موجودة وتتأكد ان امن الخليج صار متوفرا. وتذكري انه عندما غزا العراق الكويت، تحملت الولايات المتحدة مسؤولية تحريرها. اننا نتحدث هنا عن شخص حاول تدمير دولة عربية.

لكن لو لم تكن الكويت دولة نفطية لما ارسلت اميركا نصف مليون جندي لتحريرها؟ يجيب: بالطبع، لقد ذهبنا الى هناك من اجل النفط، ولا تنسي ان دول الخليج كلها تعيش من وراء النفط، فلماذا الصدمة اذا كانت الولايات المتحدة ايضا مهتمة بالنفط. لماذا تنسون ان العراق غزا واضطهد الالاف من الكويتيين والعراقيين وكأن العرب لا يهتمون ماذا يفعل العرب بالعرب الآخرين! لو كانوا يهتمون لطالبوا منذ فترة طويلة بأن يُعاقَب صدام لما الحقه بالكويت. انه امر لا يمكن تصديقه ان العرب الذين يدينون الولايات المتحدة يتصرفون وكأن ما فعله صدام حسين بالكويت وبشعبها لم يحدث ابدا. وعندما تتكلمين عن العدالة، فانني ارى رجلا اثبت انه لا يتردد في قتل العرب.

ولكن كل التقارير والانباء تقول ان الولايات المتحدة متجهة نحو الحرب ضد العراق ليس دفاعا عن المبادئ، انما بسبب النفط؟ يرد فريدمان: انا لا اعتقد ان الدافع الى الحرب هو النفط، لأن اسواق النفط متخمة الآن، ثم ان الانتصار على العراق لن يوفر النفط في الاسواق، واذا فعل فإن الاسعار ستنخفض. واظن ان الناس يعتقدون ان سبب الاصرار الاميركي على الحرب يعود الى النفط، لكن هناك اسبابا رئيسية اخرى، اولها سبب نفسي، فبعد عمليات11 ايلول صار الاميركيون يعتقدون ان العالم العربي والاسلامي يمكنه ان ينتصر على الولايات المتحدة، وان تنظيم القاعدة سيحرك المشاعر ضد اميركا وضد الاميركيين، ولهذا تشعر واشنطن ان العملية ضد العراق مبررة لمنع هذا التفكير، يضاف الى ذلك ان تاريخ صدام حسين في الاضطهاد معروف، وكذلك في غزو الدول المجاورة، ان الاطاحة به كان يجب ان تحدث قبل سنوات. انا لا اطلب من قراء صحيفتكم ان يتفقوا مع هذا الطرح، انما هذا هو التفكير الاميركي الآن، والدافع ليس النفط.

واقول لفريدمان: اذا وقعت الحرب واختفى صدام حسين، فهل ستنتهي بعدم معرفة مصيره، كما حصل مع اسامة بن لادن؟ يجيب: حسب الخطة، هذا لن يحدث، لكن في الحقيقة ستكون هناك مصاعب. اعتقد ان الاميركيين يعتمدون على شيء قد يحدث وقد لا يحدث، وهو انهم ما ان يبدأوا الحرب حتى تقوم عناصر من الحرس الجمهوري بالتمرد والاطاحة بصدام حسين. الآن، اذا حدث هذا، يذهب صدام ويبقى العراق موحدا، ولن تكون هناك مشكلة مع ايران. لكن، حسب اعتقادي الشخصي، هذا التفكير كثير التفاؤل، وقد لا يثور احد، وتعم الفوضى العراق، وتستغل ايران الوضع. من هذا المنطلق اعارض الحرب على العراق. انا شخصيا لست مع غزو العراق، ليس للأسباب التي يراها الآخرون، إنما لأنني اعتقد ان مثل هذا الغزو سوف يزعزع المنطقة ويعطي القوة لايران، التي هي في النهاية اكثر خطرا على الولايات المتحدة. لقد حاولت في الشق الاول من حديثنا ان اشرح موقف الرأي العام الاميركي، اما تصوري الشخصي فهو ان الغزو يشكل خطرا على المصالح الوطنية الاميركية، لكنني في الوقت نفسه اعتقد ان الرئيس بوش اتخذ قرار الغزو.

ولكن، اقول لفريدمان، اذا لم يتمرد الحرس الجمهوري، كيف ستكون خارطة المنطقة اذا استغلت ايران الغزو الاميركي، وكذلك تركيا؟ يجيب: الخطر هو ان تعم الفوضى العراق، فتحتل تركيا الجزء الشمالي منه، وايران الجزء الشرقي والجنوبي، والولايات المتحدة يراودها خيال باحتمال ان تسيطر المملكة الاردنية الهاشمية على العراق، لكنني لا اعتقد ان هذا ممكن.