الكويتيون.. من حب الأميركيين إلى قتالهم

TT

الكويت، تحديدا لا اي دولة اخرى في العالم، لها علاقة خاصة بالولايات المتحدة، وكان الكويتيون يتهمون بالتطرف في ممالأة الاميركيين واشهار حبهم للعم سام.

هذا بالأمس، اما اليوم فقد ظهر ان في الكويت طابوراً، عريضاً او صغيراً ليس مهماً، لا يختلف مع السياسة الاميركية فحسب بل يعادي كل ما تعنيه الولايات المتحدة.

وهذا العداء فضحته عالميا الحادثة الاخيرة التي هاجم فيها كويتيان قوات اميركية تتدرب في نفس المكان الذي شاركت في تحريره. وظهر ايضا في ظهور كويتيين يدافعون عن منفذي الاعتداء، وظهر العداء واضحا من احد موظفي الحكومة الكويتية نفسها الذي نسب اليه قوله ان يوم احداث سبتمبر كان يوما سعيدا، وهو قول لم يتفوه بمثله معظم المتطرفين حتى في الاراضي الفلسطينية المحروقة.

اذا كانت هذه ظواهر لا تخطئها العين فكيف يمكن ان نترجمها سياسيا؟

تحرير الكويت بقرار اميركي ومساندة عسكرية اميركية ضخمة، لم يشهد لها مثيلا منذ حرب فيتنام، حقيقة يعرفها كل الكويتيين لكنها لم تكن كافية لبناء اسس العلاقة الشعبية.

وربما تصور الاميركيون ان الكويت آخر مكان في العالم مستعد للوقوف ضدهم شعبيا ورسميا، لكنهم اخطأوا التصور. واعتقد الاميركيون ان الكويت هي فرنسا العالم العربي، البلد الذي حررته القوات الاميركية واشهر شعبه شعوره بالامتنان، وكان الشعور غامرا وطافحا في اول ثلاث او اربع سنوات تلت التحرير ثم خفت بعد ذلك.

ما السبب؟ هل لأن الكويتيين، كالقطط بذاكرة ضعيفة، ام انهم جزء من الوضع النفسي الشعبي العام في المنطقة يتفاعلون مع محيطهم؟

المؤكد ان الذاكرة ليست هي السبب لكن الوضع العام في المنطقة دفع اول بلد في العالم محب للاميركيين لينقلب بعض ابنائه في مقدمة المقاتلين، ضد نفس القوة التي ساندتهم في محنتهم. وحتى نفهم ذلك لنتذكر ان للكويت موقعا مختلفا عن معظم المجتمعات العربية الأخرى، مفتوحاً وحراً نسبياً في برلمانه واعلامه، نفس الحرية التي دعت اليها واشنطن قبيل تحرير الكويت وتعهدت بالضغط لتنفيذها... الحرية البرلمانية والاعلامية منحت الملاحقين في العالم العربي في الكويت ملجأ اكثر من اي موقع آخر. ونعني بالملاحقين سياسيا اصحاب الفكر الديني على اختلاف الوانهم. اخوانيون وسلفيون وجهاديون وشيعة وسنة كلهم وجدوا في الكويت فرصة لاقامة الخيام وجمع التبرعات وتأسيس جمعيات تجارية واحتلال منابر اعلامية وتغيير الواقع على الارض من تحت قبة البرلمان، ممارساتهم كلها كانت مشروعة وقانونية، لم يحتج احد فيهم الى القوة بخلاف زملائهم الدينيين في المجتمعات السياسية العربية الاخرى.

النتيجة مذهلة، نجح فكرهم وبرز تجمعهم ونفوذهم في بلد عرف دائما انه اكثر المجتمعات الخليجية ليبرالية. النتيجة مذهلة حتى على مستوى اتخاذ القرار. ففي الوقت الذي يكافأ المسؤولون على تصديهم للمتطرفين في معظم الدول العربية، الكويت هي البلد الوحيد الذي اقصي مسؤولون فيه لأنهم واجهوا التيار الاصولي. وزير الاعلام الاسبق اضطر للاستقالة بسبب سماح وزارته بعشرة كتب اعتبرها بعض الاصوليين جريمة وطالبوا باقالته.

ومشكلة التطرف في الكويت ليست خطيرة لاسباب لها علاقة بقلة عدد السكان، ولأن الدولة مصدر الدخل الرئيسي لمعظم المواطنين، ولأن معظم السكان الكويتيين ليسوا محسوبين على التيارات المتطرفة اساسا، لكن الكويت تواجه مشكلة التطرف سنين عديدة، لأن النظام تعمد تجنب المواجهات وفضل ترك الامور تعالج كيميائيا بالوقت. والتطرف المتزايد في الكويت لا يضر النظام السياسي بقدر ما يهدد الحركات الاسلامية المعتدلة التي تختلف تماما مع الأصوليين المتطرفين، فهذه الحركات تفقد كثيرا بتزايد التطرف وعدم تأييدها ردعه. وستخسر كل شبر حققته اذا لم تتخل عن مزايداتها في ارضاء الاجنحة المتطرفة داخلها التي صارت اكثر فلسطينية من الفلسطينيين واكثر دينية من السعوديين.