العبودية ليست خيارا لأي أمة أو شعب

TT

الجنرال الاسرائيلي (المتقاعد) يورام يئير برر قتل المدنيين الفلسطينيين في مدن ومخيمات غزة والضفة الغربية في سياق حديث صحافي ادلى به في 19/10/2002.

وقال الجنرال يئير «ان الحرب التي يواجهها جنود جيش اسرائيل هي اصعب انواع الحروب. اذ ان الرصاص يطلق عليهم من داخل البيوت الآهلة بالمدنيين. وهذا هو سبب سقوط عدد كبير من المدنيين الذين يتخذهم الفلسطينيون المسلحون دروعا بشرية».

الجنرال يئير، لا شك لدي، يستخف بعقول العاقلين. لكن كلامه هذا يشكل مادة دسمة للتيار العنصري المتطرف في اسرائيل وللحاخامات الذين يحرضون الجنود على القتل والتدمير وعدم اطاعة اي امر لازالة مستعمرة بناها الغزاة بقوة الدبابات ودعمها. فالجنرال يئير يصور للمجتمع الاسرائيلي ان جيش الاحتلال في حالة حرب، حرب مع من وضد اي جيش؟ هذا السؤال بطبيعة الحال لم يتطرق اليه يورام يئير ولم يجب عليه طالما انه لم يذكره.

ان الحرب التي تشنها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال هي حرب اضافية لاخضاع الشعب الذي تخضعه اسرائىل للاحتلال العسكري منذ 35 عاما. وهذا الشعب لا جيش له. لذلك فالجيش الاسرائيلي لا يواجه جيشا، بل يعتدي مجددا على شعب سامه الاحتلال العذاب والقهر والاذلال ودمر بنيته التحتية وهدم البيوت الآهلة وقتل من المدنيين الآلاف وهجر الآلاف وألقى القبض على شعب بأكمله في معسكر اعتقال واسع هو الضفة الغربية وقطاع غزة. وحوّل كل بيت في كل مدينة وبلدة وقرية الى زنزانة ضمن معسكر الاعتقال الكبير. والجنرال يقول انه من المستحيل عدم قتل المدنيين عند مواجهة الذين يتصدون للجيش الاسرائيلي لأنهم (اي المتصدين) يطلقون النار على الدبابات من بيوت آهلة بالمدنيين وهم يتخذون من هؤلاء المدنيين دروعا بشرية.

وأود هنا ان اناقش الجنرال يئير في ما قاله، لأكشف مدى التضليل الذي يحمله كلامه للجمهور الاسرائيلي.

اسأل الجنرال يئير؟ اين هي تلك المساكن التي تكتظ بالمدنيين ويتخذ المسلحون الفلسطينيون منها دروعا بشرية؟؟ هل هي في تل أبيب ام حيفا ام رامات غان؟

انها بيوت الفلسطينيين على ارضهم في رفح وخانيونس وجنين، والمخيمات المحيطة المكتظة بمن رحلتهم اسرائيل بقوة السلاح والدبابات والطائرات عن بيوتهم واراضيهم التي اغتصبت. هل تشكل رفح جزءاً من اسرائيل؟ واذا كان الجواب منطقيا وهو انها لا تشكل جزءا من اسرائيل، بل من فلسطين، وانها تقع على الحدود المصرية ـ الفلسطينية فسؤالي للجنرال يئير هو؟ ماذا يفعل الجنود الاسرائيليون ودباباتهم وطائراتهم في رفح الفلسطينية.

انهم محتلون يحاولون قهر شعب يطالب بحريته واستقلاله. ونقول للجنرال يئير ان وجود جنود الاحتلال الاسرائيلي هناك هو امر غير قانوني ويتعارض مع القوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية. ليس هذا فحسب بل ان ميثاق الامم المتحدة التي تنتمي اسرائيل لها، والتي صاغت قرار ولادة الدولة العبرية، يدعو ويطالب ويعطي الحق للشعوب بمقاومة احتلال بلادهم بالقوة بكافة الوسائل المتاحة والممكنة. ولذلك فان وجود الجنود الاسرائيليين في رفح ومخيمها هو امر غير قانوني اولا، وان القانون الدولي يعطي الفلسطينيين الحق بمقاومتهم لأنهم محتلون (وبكافة الوسائل) هذا بشكل عام، واذا اراد الجنرال يئير التخصيص فان كل رب عائلة فلسطيني تطلق عليه القوات الاسرائيلية النار، وتستهدف اطفاله وعائلته، له حق انساني مقدس بالدفاع عن النفس. فالعام والخاص في هذه الحالة يدين اسرائيل ويعطي الحق للفلسطينيين ضحية الاحتلال، وانتهاكاته للحريات وحقوق الانسان والشرعية الدولية في الدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المتاحة. واذا اقتربنا اكثر من بيت القصيد نقول للجنرال يئير ان تلك الوسائل المتاحة هي: الحجارة، بنادق الجنود الاسرائيليين التي بيعت للفلسطينيين، ومواد مصنعة بشكل بدائي يحلو للمتطرفين الفلسطينيين وخبراء الشين بيت (المخابرات الاسرائيلية) اطلاق اسماء ضخمة عليها مثل: صواريخ قسام واحد وصواريخ قسام اثنين وقذائف هاون، وانا اعلم وهم يعلمون ان هذا الامر يشكل قمة السخرية والتضليل. مواسير مياه صدئة ومواد اولية انتهى مفعولها هي التي يطلقون عليها هذه الاسماء الكبيرة. والامر الذي يؤكد كلامي ان كل حوادث اطلاق الصواريخ لم تؤد الى اي خسارة مادية او بشرية او حتى معنوية في الطرف الاسرائيلي. لكن اسرائيل تستخدم غباء وسذاجة المتطرفين الفلسطينيين، وتهول اسماء هذه الخردوات لتظهر للعالم، كما يريد الجنرال يئير، ان هنالك اسلحة وجيوشاً تواجه جيش الاحتلال الاسرائيلي، وهذا بالطبع غير صحيح وهراء.

ونتابع مع الجنرال العظيم يورام يئير، الذي يثير كلامه في نفس كل انسان حر «اشمئزازا» من كثافة عنصريته واستسهاله قتل المدنيين العزل، فنقول:

كيف يمكن للجنرال ان يغيب العقل ويقنع نفسه انه يقول الحقيقة؟ لا بد انه مريض عقليا ونفسيا.

عندما يقود انسان سيارته وتحاول قطة ان تعبر الطريق، يحاول المستحيل كي لا يدعسها. قطة! واحيانا تتسبب محاولة الانسان لتفادي دهس القطة الى انقلاب سيارته؟

فكيف يفسر الجنرال المخضرم ان الدبابات الاسرائيلية اطلقت قذائف على مجموعة من الاطفال حاولت رشق دبابة «الماركافاه» العظيمة والقلعة المحصنة بالحجارة لا يزيد حجمها عن حجم قبضة طفل صغير. كيف يفسر الجنرال يئير ان جنود جيشه استمروا في اطلاق النار على طفل يحتمي بحضن والده حتى قتلوه، ولأذكر الجنرال باسم الطفل، محمد الدرة.

ولا شك ان الجنرال يئير الذي تبوأ مراكز عليا في جيش الحرب الاسرائيلي يذكر ان لجنة تحقيق شكلت (وكالعادة لم تخرج بنتائج) حول العبوة الناسفة التي زرعها جنود جيشه امام مدرسة اطفال في غزة وأدى انفجارها لمقتل خمسة طلاب صغار، لم يبق منهم سوى اوراق دفاترهم المحروقة.

الجيش الاسرائيلي هو المجرم، فهو المعتدي وهو الذي يرد على الحجر المطالب بالحرية بقذيفة دبابة او بقصف من رشاش 500 ملم او بصاروخ من طائرة اباتشي.

ونتابع مع الجنرال العظيم يورام يئير: في خانيونس قصفت الطائرات بالصواريخ مبنى سكنيا فقتلت العشرات وشكلت لجنة تحقيق (بدون نتائج طبعا). والمهم هنا ان نقول للجنرال ان هذا الهجوم بناء على بيان رسمي اسرائيلي لم يكن ردا على اطلاق قذائف من الحجارة او رصاص م 16 بل لاغتيال شخص ما. فأدى ذلك لمقتل المدنيين بالعشرات. هل ما زال الجنرال يعتقد ان حرب جيش اسرائيل من اصعب الحروب؟ ما هو الصعب في ان يقرر جنرال عنصري (مجرم حرب) بأن يدمر بيوت المدنيين على رؤوسهم عبر صواريخ الاباتشي او طائرات ف ـ 16، وهو يعلم ان لا جيش يواجهه ولا شعب يملك وسائل مقاومة هذه الاسلحة الاميركية الفتاكة. الا يعتقد الجنرال يئير بعد هذا الكلام انه سخيف ويحاول تسخيف عقول العاقلين.

لنكن دقيقين اكثر، ونشير الى اخر مجزرة ارتكبها الجيش الاسرائيلي في رفح. احتجت الولايات المتحدة وطالبت بالتحقيق في مقتل وجرح عشرات من المدنيين الفلسطينيين في مخيم رفح، مما جعل اسرائيل تسارع الى اعلان تشكيل لجنة تحقيق. وقبل ان تباشر هذه اللجنة اعمالها، صدر اعلان رسمي لمسؤول رفيع المستوى يفيد بأنه استنادا للوثائق المصورة بالفيديو وبوسائل تكنولوجيا متقدمة (والاسرائيليون معجبون دائما بادعاء ذلك رغم ان كل هذه الوسائل هي اميركية او سرقت اسرارها من اميركا)، فقد تثبت ان مسلحين فلسطينيين اطلقوا رصاصا على الدبابات الاسرائيلية من داخل بيوت آهلة بالمدنيين مما اضطر الجنود على الرد.

رصاص اطلق على دبابة.

ماذا كانت تفعل الدبابات في مخيم رفح؟ ولماذا اجتاحته؟

رصاصات اطلقت على الدبابات التي اعتدت على مخيم رفح واقتحمته؟ ما هو الخطأ في الدفاع عن النفس.

ان الخطأ والجريمة هو في اقتحام الدبابات الاسرائيلية مخيم اللاجئين في رفح. قامت الدبابات بالرد على الرصاصات باطلاق اكثر من خمسين قذيفة على بيوت آهلة بالمدنيين.

اوافق ان مسلحا او مسلحين او عشرة مسلحين اطلقوا رصاص كلاشنيكوف على عشرات الدبابات (رصاصة الكلاشنيكوف تمتلك مدى قاتلا للجسم غير المحصن مقداره 350 مترا وتلك الرصاصة تتحول الى قشة امام درع الدبابة).

ان ما يقوله الجنرال يئير هو فعلا مهزلة. فقد قامت الدبابات بقصف البيوت المدنية ردا على ذلك وقتلت وجرحت العشرات من المدنيين.

ونعود لنسأل الجنرال يئير ماذا كانت تفعل دباباتك ذلك الفجر في مخيم رفح؟؟

هل كانت تتنزه ام ان الجنود ارادوا ان يتسوقوا؟ ام ماذا؟

هذه هي المشكلة ايها الجنرال، عندما تنسحبون من ارضنا التي جثمتم على صدرها 35 عاما لن يعود هنالك اطلاق نار. شعبنا يريد حريته واستقلاله ولا يوجد شعب او امة على هذه الارض يعتبر العبودية احد خياراته.