كوميديا الموت!

TT

هل يمكن ان يتفتق من قلب الحزن المقيم بصيص ابتسامة؟ وهل يمكن لانسان غلبه الأسى والشعور باليأس ان يستشف حاجته في ان يعبر عن مشاعره تلك بشيء من الفكاهة والكوميديا؟ هذا ما حدث على وجه الدقة مع الكاتب لورانس ماكس الذي شعر بحزن عميق في اعقاب وفاة والدته، لكنه فجأة شعر بالضجر ولم يستطع مقاومة رغبته الشديدة في ان يتغلب على حزنه بالكتابة الكوميدية.

كانت مشكلة لورانس ماكس كبيرة، اذ كيف لمحزون مثله ان يتحول من النقيض الى النقيض فيلبي رغبة عارمة بداخله لكي يكتب ما يبعث على الضحك والمرح، وهو الذي لم يمض على وفاة والدته سوى ايام قلائل، لكن لورانس اجاب عن دهشة وتساؤل اصدقائه بقوله ان الموت، ولا شيء غيره، يمكن ان يكون مصدراً لكوميديا حقيقية.

بعد اربع سنوات فقط اصبح لورانس مؤلفاً كوميدياً مشهوراً، وفي احدى الجلسات التي ضمته مع بعض الاصدقاء اعترف بأنه اثناء حياة امه كان من واجباته التي لم يمكنه التخلي عن ادائها ان يقوم باضحاكها حتى في اشد اوقات غضبها منه، وذلك كوسيلة لحمايته من غضبها الشديد، وان قيامه باضحاك امه كان بالنسبة له مثل الاتاوة التي يدفعها اناس ضعاف لعصابات المافيا!

الغريب ان القدر جمع لورانس بالكاتب موريس جران الذي عاش نفس الظروف العائلية التي عاشها لورانس اذ ان كلاً منهما كان يعيش مع ام ذات شخصية قوية ومتسلطة، وانهما توصلا الى الوسيلة ذاتها التي تدفع عنهما غضب وقسوة الأم، وهي محاولة اضحاكها دائماً وخاصة في الاوقات التي تستشيط فيها غضباً وضيقاً. ومثلما استقال لورانس من عمله كصحافي من اجل الكتابة الكوميدية للتلفزيون، كذلك موريس جران انقطع عن عمله الوظيفي وسلك طريق الكتابة في حقل الكوميديا.

حب الكوميديا والاحترام المتبادل، جمعا بين لورانس وموريس جران وكان لهما الاثر الكبير في تدعيم صداقتهما. ولأن الحب والاحترام هما الأساس الثابت لأية علاقة ناضجة فمهما اختلف الصديقان (لورانس وموريس) فان صداقتهما ثابتة وراسخة.

تتطلب الكتابة الكوميدية من الكاتب ان يصبح المراقب الذي ينظر الى الشخصيات التي يقابلها في حياته اليومية، والمتأمل لسلوكياتها وتصرفاتها ونقاط ضعفها وقوتها. ومن حصيلة مراقبته وملاحظته وتأمله يبدأ في اعادة صياغة هذه الشخصيات بالصورة التي يرغب فيها بحيث تستخرج الضحكات والابتسامات بدلاً من الأنات والدموع.