الحرب على العراق، بأي ثمن؟

TT

السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن، بعد الذي حدث في موسكو، هو: هل ستغير روسيا موقفها من المشروع الأميركي في مجلس الأمن، أم لا؟، غير أنه يبدو أن الولايات المتحدة لا تنتظر من روسيا أو فرنسا تغيير موقفهما الرافض لإعطائها سلفاً الإذن بالهجوم على العراق، إذ لم يكف كبار المسؤولين الأميركيين، والرئيس الأميركي نفسه، عن القول والترداد بأن الولايات المتحدة لن تنتظر مجلس الأمن إلى الأبد وأن تعطي الرئيس العراقي فرصة جديدة للتهرب والمماطلة، وأنها سوف تلجأ إلى القوة لحسم الأمر والتأكد من أن العراق لم يعد يملك أسلحة دمار شامل. ومن يقرأ تصريحات المسؤولين الأميركيين وتعليقات الكتّاب المقربين من مراكز القرار، يلمس أن الاستعداد العسكري الأميركي للهجوم على العراق واحتلاله واسقاط نظامه وإقامة نظام «ديمقراطي مسالم ومعاد للإرهاب»، مستمر بل أصبح في مراحله الأخيرة، وأن موعد بدء العمليات العسكرية حدد في ديسمبر أو يناير القادمين. وأن تراجع الرئيس بوش وإدارته عن مخطط اسقاط النظام العراقي بات صعباً عليه وعلى منفذي الستراتيجية الأميركية الجديدة في العالم التي تشكل «مقاومة الإرهاب» العنوان الأبرز فيها.

هل يعني ذلك أن الحرب الأميركية ـ العراقية، واقعة لا محالة؟، الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية عموماً، ما زالت تؤمل في «حدوث معجزة» تحول دون نشوب هذه الحرب، والمعجزة الوحيدة التي يفكرون فيها هي صدور «قرار صارم وموزون» في مجلس الأمن، بتوافق الدول الكبرى الخمس عليه، وقبول صدام حسين به وتعاونه مع المفتشين الدوليين في عملية «تنظيف الترسانة الحربية العراقية من أسلحة الدمار الشامل»، ولكن من يضمن «صدقية» أو «فعالية» و«استمرارية» هذا التعاون بين النظام العراقي ومفتشي الأمم المتحدة؟ الإدارة الأميركية أعلنت أكثر من مرة أنها لا تثق بكلام صدام حسين، وكثيرون هم في العالم من يشاركونها في هذا الرأي، ولكن عندما يتأمل أي مسؤول في العالم، أميركياً كان أم أوروبياً أم عربياً، بفداحة تكاليف وخسائر حرب أميركية ـ عراقية، وبما سيترتب عنها من تداعيات سلبية في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، بل وعلى العلاقات الدولية، لا يستطيع سوى التفكير مرتين قبل إشعالها، ويفضل طريقا آخر لحل مشكلة صدام حسين مع شعبه وجيرانه والعالم.

لقد طغى الحديث عن «الحرب على العراق»، على كل حديث سياسي آخر في العالم، بما فيه الحديث عن «الحرب على الإرهاب» أو عن الفضائح المالية والاقتصادية الكبرى في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، التي تدل بصراحة على ان النظام الاقتصادي العالمي الليبيرالي الجديد الذي تتزعمه الولايات المتحدة لا يخلو من ثغرات ومخاطر على الاقتصاد الغربي ناهيك باقتصاديات الدول النامية، كما طغى على الصراع الدامي المحتدم على ارض فلسطين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. صحيح ان الإدارة الأميركية باتت مدركة لأهمية، بل عضوية، العلاقة بين قضية نضال الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لإسرائيل، وبين استعداء الحركات والجماعات السياسية الإسلاموية المتطرفة لها بسبب انحيازها لإسرائيل، كما انها باتت اكثر تفهما لموقف الدول العربية المتحفظ والمتردد في التحالف معها لشن حرب على العراق، وانها تعمل، اليوم، على تخطيط للحرب «لا يحرج» الدول العربية والإسلامية المحيطة بالعراق، ولكن الملف الفلسطيني هو، اليوم، ملف ثانوي في مكاتب البيت الأبيض، والرؤية الأميركية «لما بعد الحرب»، أي بعد اسقاط النظام العراقي، انما هي رؤية احادية لم تشرك واشنطن الدول الكبرى أو الدول العربية «الصديقة» فيها، وتفاصيل هذه الخطة أو الخطط تسرب إلى الصحف الأميركية والغربية، عبر الاخبار والمقالات، وأهم ما يبرز فيها استخدام واردات النفط العراقي لتسديد تكاليف الحرب ودفع التعويضات والديون!.

ان الولايات المتحدة ماضية في حربها على الإرهاب كما حددته، هو تحديد لا تشاركها فيه إلا إسرائيل، ومؤد إلى نزاع دائم ومتفاقم مع الدول والشعوب العربية والإسلامية، في الدرجة الأولى، وإلى تحولات كبرى في العلاقات الدولية، بل وإلى تغييرات في حياة الأميركيين والغربيين أنفسهم.

ومع دخول هذه الحرب عامها الثاني، يتبين أن احتلال افغانستان وطرد حكم الطالبان منها و«تشريد» بن لادن و«قاعدته»، لم يقض على الإرهاب والإرهابيين. وما حدث في افغانستان وباكستان وبحر اليمن وبالي وموسكو وفي واشنطن نفسها من تفجيرات وعمليات إرهابية، تدل على أن هذه الحرب ما زالت في بدايتها، فهل تكون الحرب على العراق وتغيير النظام فيها خطوة ايجابية لاضعاف الإرهاب؟ أم سببا جديدا لمضاعفة نشاط الإرهابيين؟.

كثيرون هم، اليوم، الذين يعتقدون بأن تغيير النظام في العراق هو في مصلحة الشعب العراقي، بل ولمصلحة الأمة العربية، وان الإصلاح السياسي والاقتصادي في الدول العربية والإسلامية يساعد كثيرا على تخفيف أو إزالة الأسباب التي دفعت بعض الشبان إلى اختيار هذا الأسلوب العنيف للتنفيس عن قهرهم وحرمانهم، لكن إذا لم يكن هناك من «حل عراقي» أو «حل عربي» لمشكلة النظام العراقي (وتلك أمثولة علينا الاعتبار بها مستقبلا)، فإن شن الولايات المتحدة الحرب على العراق وتغيير نظامه بالقوة ومواصلة الحرب على الإرهاب بهذا الشكل، وهذه الطريقة، سوف يكون غالي الثمن عليها وعلى العراقيين والعرب والمسلمين، بل وعلى العالم، ولن يكفي نفط العراق ولا نفط دول آسيا الوسطى، كله، لتغطيته.