أميركا ليست قدرا.. وأيامها ليست أبدية

TT

ليس دفاعا عن أي حاكم ولا أية حكومة، ولا عن أي أمير او سلطان او رئيس، فالحاكم في بلادنا يملك من وسائل الدفاع عن نفسه ويملك اجهزة حماية بما فيه الكفاية، وليس بحاجة لمثل دفاعاتنا. ولكن دفاعا عن حقنا كأفراد وجماعات وشعوب في تقرير مصيرنا بأنفسنا، وحماية مقدرات اوطاننا وثرواتها، نسأل أميركا: من اين لك هذا «الحق» الذي تمارسينه لجهة تقرير مصائر الشعوب جميعا؟!

أليست هذه الممارسة هي عين الديكتاتورية التي تدعين محاربتها؟!

أليست هذه الممارسة هي عين انتهاك حقوق الناس في تقرير المصير؟!

أليست هذه الممارسة هي عين الاعتداء على حق الغير في الاختيار وحق الانتخاب؟!

أليست هذه الممارسة هي عين «حكومة الغاب» التي تدعين ان العالم «غير المتحضر» يمارسها بحق نفسه، وتزعمين انك قادمة اليه لتحريره منها وبدعوى «استدعاء الديمقراطية اليه»؟!

ثم هل سألت نفسك ولو لمرة واحدة ان كانت هذه الشعوب تريد ديمقراطيتك اصلا؟! ام انها ربما تبحث عن ديمقراطياتها الخاصة بها وبالتالي قد يكون شرط الحصول عليها وتحقيقها هو التمايز عنك، والاختلاف معك، ووضع خطوط حمراء في التعامل معك؟!

من أين اتيت بهذا «الحق المقدس» بأنك اصبحت المعيار لكل ما هو حضاري ومدني وتقدمي وديمقراطي وانساني، وكل من وما عداك همجي ومتخلف ومعاد للحرية والسلام والانسانية، وارهابي يجب تأديبه ثم تأهيله ليدخل «نادي المتحضرين»؟!

أليست هذه هي عين الديكتاتورية والاستبداد بالرأي والعودة بالعالم الى حكم الغاب حيث السيطرة لصاحب الرمح الاقوى والامضى؟!!

لكن المشكلة ليست فيك وحدك وآسفاه.

فهناك مسؤول عربي يزعم اننا أمة ضعيفة لا تملك سوى التوسل اليك!! وهناك نائب ايراني يصرح بأنه يخاف انيابك وتشكيرتك فيطلب مراعاة جبروتك وقوتك الهائلة!!

وهناك من يتملقونك في السر، وما اكثرهم، وفي العلن ايضا، ممن يبحثون عن فتات ما تنهبينه من مقدرات اوطاننا وثرواتنا في وضح النهار. وتظنين للحظة انك اصبحت «فرعونا».

وكما يقول المثل اللبناني: «قالوا لفرعون من فرعنك.. قال تفرعنت وما حدا رَدْني».

هذه للأسف حكايتك معنا قبل 11 سبتمبر (أيلول) وبعده. فقد كنت تبحثين عن الذرائع دوما لتبرير فلسفة استعمارك الجديد ونهب ثرواتنا باسم الديمقراطية واشاعة الحريات والتقدم و......

لا احد هنا بصدد انكار ما اوردته العلوم من مدنية وتقدم و.... وهو بالمناسبة من فضل أبنائنا ايضا، ولا ندعي انهم وحدهم الذين لهم الحصة الكبرى فيما آلت اليه بلاد الغرب بفضل هجرة الادمغة التي لا تنقطع. ولكن كفاك تفرعنا وطغيانا فالملك يتكسر وينهدم مع الطغيان والتجبر، والعلوم والعلماء سيذهبون مع الريح اذا ما قررت الاستمرار بهذا النهج الظالم والمعادي للانسانية والبشرية.

فالبشرية التي تتحملك اليوم على مضض وأنت تقودين العالم نحو الدمار والهلاك، بحجة محاربة الارهاب مرة، واسقاط النظام العراقي الخارج على القانون الدولي مرة اخرى، والحبل على الجرار مع انظمة اخرى، هذا العالم سوف يتوقف يوما (وقريبا جدا) ويسألك:

كيف ويأية معايير تصفين الجلاد ومجرم الحرب الاسرائيلي شارون بأنه داعية سلام وانساني؟!

كيف وبأية معايير تريدين تبرير موقفك في عدم محاسبة عصابات تل أبيب على انتهاكها اليومي لحقوق الانسان الفلسطيني؟

كيف وبأية معايير تسكتين على كل اسلحة الدمار الشامل الهائلة المكدسة في اسرائيل وأنت اقمت الدنيا ولا تريدين ان تقعدينها بعد، لأن دولا شرق أوسطية اخرى تفكر في مبدأ امتلاك مثل هذه الاسلحة؟!!

كيف وبأية معايير تريدين محاسبة السلطة الفلسطينية وسورية والسودان وكوبا ولبنان وكوريا الشمالية لأنها تخرج او بصدد الخروج على ارادتك في الهيمنة؟!

كيف وبأية معايير تريدين اخضاع الأمم المتحدة واجبار فرنسا وروسيا والصين وكل من يفكر بمنافستك حتى في بنود صغيرة وتافهة، بالمقارنة بما تقومين به من انتهاك للاعراف والقوانين الدولية، ثم تصرخين بوجههم جميعا لقد نفد صبري؟!!!

صبر من الذي نفد او في طريقه الى النفاد؟

صبرك أم صبر العالم عليك؟!!

منذ نحو خمسين عاما وأنت تسوّقين للعالم اجمع «حاملة طائرات» مدججة بأسلحة الدمار الشامل على انها «دولة نموذجية للديمقراطية» اسمها اسرائيل!!! في الوقت الذي يعرف فيه العالم اجمع، لا سيما في بلداننا، بأنها ليست سوى قاعدة متقدمة لك ترعى مصالحك الحيوية وامنك، وتؤمن فيما تؤمن وصول الطاقة رخيصة اليك ولبعض حلفائك، وتمنع فيما تمنع تحقق التنمية في بلادنا من خلال اشغالها بحروب وتوترات دائمة.

لكنك ومع ذلك كله لست قدرا.

وايامك و«دولتك» ليست ابدية. من يقرأ بين سطور التقارير والاخبار هنا وهناك، يقرأ تململا واسعا في العالم تجاه سياساتك العنجهية والظالمة، لا سيما تجاه أهلنا في فلسطين الصابرة والمرابطة، والتي تعض على الجراح، الممسكة بحقها وبدينها وبانتفاضتها الباسلة بعنفوان واستقامة قل نظيرها في تاريخ مقاومات الشعوب.