رهانات بوتفليقة المستقبلية

TT

بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونهاية عهدته الانتخابية سنة ونصف السنة تتآكلها الأيام. وبينه وبين الترشح لعهدة أخرى جسر تقوم أركانه على تعاون أصحاب القرار من العسكر وثقتهم به، تحيط بالجسر أمواج الغاضبين من إقصائهم والطامعين في تقريبهم، وتكاد تعصف به رياح الأزمة الأمنية بشقيها الإسلامي والقبائلي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخذ منها بعض اللوبيات الضاربة في عمق السلطة وسيلة لتصفية حساباتها مع لوبيات أخرى، أو للاستمرار في السيطرة على المقدرات العامة.

وبين كل هذا وذاك يعتقد الرئيس أن الاثنين والأربعين شهرا التي قضاها في قصر المرادية لم تكن إلا فرصة للتعرف على واقع الحكم الجزائري عن قرب، وأن من حقه الاستفادة من فرصة جديدة يشرع من خلالها في إصلاح الأوضاع بعد أن نجح في الحصول على الحد الأدنى من الوسائل التي تساعده في المرحلة القادمة على تحقيق ما لم يحققه في هذه العهدة.

وأولى الأدوات التي يعتمد عليها الرئيس بوتفليقة في تحقيق خطته تلك، هي بلا شك جبهة التحرير الوطني ورئيسها علي بن فليس، وسوف يعمل هذا الأخير على زيادة حجم شعبيتها باعتماد خطة صارمة يحرص ضمنها الناخبون المحليون على تحسين أوضاع بلدياتهم، ويبتعدون ما استطاعوا عن الشبهات التي قد تعرضهم لسخط القيادة المركزية وللمتابعات القضائية، على غرار سابقيهم من التجمع الوطني الديمقراطي.

ويراهن بن فليس على حزبه كي يساعده في تخفيف العبء عن حكومته، آملا في أن يجعل تحسن الأوضاع على الصعيد المحلي الناخبين يستعيدون ثقتهم في الحزب. ويواصل بن فليس مسنودا من رئيسه بلا شك، استرضاء أصحاب القرار من خلال خطابه المتشدد عن استئصال الجماعات الإرهابية، وكذلك مساندته لأشكال من الانفتاح على الثقافة الغربية دعا إليها رئيس أركان الجيش الفريق العماري صراحة، لمساعدة الجيش على القضاء على الشق السياسي والثقافي من الإرهاب كما يرى.

وتواجه بوتفليقة وبن فليس معارضة تتنامى داخل حزبيهما، إما لتأصل الفساد عند بعض أعضاء الحزب، او لتشرب العديد منهم افكارا لا تتساهل في قضايا الهوية التي يُتهم رئيس الجمهورية بأنه يريد الإضرار بها. ويكاد ذلك يعصف بخطط الرجلين من حيث أن الوعاء الانتخابي للحزب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرج عن الاتجاه القومي شبه الإسلامي، كما أن أية محاولة لتقديم تنازلات فكرية لصالح أي اتجاه آخر قد تشجع هذا الوعاء على الاتجاه نحو أحزاب أو شخصيات بديلة يعلم بوتفليقة جيدا أن «خطرها» لا يزال يحدق به.

ويأمل بوتفليقة كذلك، في استخدام الفائض الذي حققته الخزينة (22 مليار دولار وهو ما يعادل ميزانية الدولة خلال أكثر من سنتين)، لإقناع الناخبين بأنه أصلح المترشحين لخدمة الشأن العام، ووفق نصائح مستشاريه فإنه فضل تجميد هذا الفائض من الأموال حتى اقتراب نهاية عهدته كي يشعر الناخب بفضائل هذه العهدة، ويحرص الرئيس على أن يذهب جزء كبير من تلك العائدات إلى البلديات ليساعدها على استكمال مشوار كسب ثقة الناخب المحلي، وهو ما يعتبر الشروع الحقيقي في تطبيق برنامج الإنعاش الاقتصادي الذي أُعلن عنه قبل سنة وإن لم تخط فيه الحكومة أشواطا كبيرة.

وتواجه هذه الرغبات والاهداف عوائق اولها الكم الهائل من المشاريع الوطنية التي تنتظر استكمالها، مثل مجموعة السدود التي يتوجب انهاؤها من أجل مواجهة مشكل الجفاف، ومشاريع السكنات التي تقدم الدولة جزءا مهما من مخصصات بنائها، والطريق السريع الرابط بين شرق البلاد وغربها، بالإضافة إلى رواتب الموظفين التي تنتظر زيادتها، كما تواجه أية خطة من هذا النوع المبالغ التي لا يزال الجزائريون مرغمين على دفعها لتسديد رؤوس أموال الديون الخارجية وخدماتها، زيادة على الارتفاع الذي ستشهده مخصصات المؤسسة العسكرية التي تحتاج إلى تجديد عتادها العسكري والتي قد لا تجد فرصة أسنح من هذه سياسيا (التغاضي الدولي العام بعد أحداث سبتمبر (ايلول) 2001) وكذلك اقتصاديا (ارتفاع عائدات النفط).

ويعوّل الرئيس الجزائري في الدعم الذي ينتظر أن تقدمه القوى الإقليمية له أو على الأقل الكف عن التأثير سلبيا في الأوضاع كما يعتقد. ويراهن بعد أحداث 11 سبتمبر على اهتمام اميركي باصلاحاته. ويذهب بوتفليقة في آماله الى الاعتقاد بأن البيت الأبيض قد يساعده على إقناع قيادات الجيش باعطائه فسحة أكبر من القرار مقابل ضمانات يقدمها بعدم التعرض لهذه القيادات، ويُخشى من امتداد النفوذ الأميركي في الجزائر كنتيجة طبيعية لهذا الدعم مما يرهن القرار السياسي الخارجي.

وحرصا منه على تحييد الطرف الفرنسي يسعى الرئيس الى عدم التعرض لكثير من أشكال النفوذ التي تمارسها فرنسا في الجزائر، كما يحرص أحيانا على الظهور بمظهر الصديق من خلال انصافه للغة الفرنسية حين يتم الحديث عن المنظومة التربوية، وعزمه على الانضمام الى المنظمة الفرانكفونية ومشاركته في قمتها في هذا السياق، ويُخشى من تأثير هذا التوجه في الأوضاع الداخلية مما قد يمنح للإسلاميين شعبية جارفة تقوم على معارضة هذه الخيارات، كما يُخشى من امتداد السخط الى حركات العنف التي قد تسعى الى الحصول على قدر أكبر من الشعبية يسمح لها بالعودة الى قوتها التي انحسرت كثيرا.

على أنه من المفيد الانتباه الى أن حصول بوتفليقة على دعم الجيش لن يكون كافيا إذا تم التخلي عن سياسة التزوير نهائيا، وهو ما يتطلب عملا مكثفا من أجل رفع شعبية بوتفليقة الذي قد يكون من انجازاته القليلة تحجيمه لمستوى تأثير التزوير في العملية الانتخابية، كما أن تجديد الثقة في الرئيس بوتفليقة لا يعني بأي شكل من الأشكال أنها ستكون ثقة مطلقة وإلا ما كان الجنرال زروال الرئيس السابق تعرض إلى ضغوطات أرغمته على الاستقالة بعد 3 سنوات من انتخابه.

* صحافي جزائري مقيم في لندن