بطاقة من البيليبين

TT

من يسافر في الخليج يخيّل اليه احياناً انه يتنقل في الجزر الفيلبينية. ولا يقتصر الحضور الفيليبيني هنا على من يقتصر عليه في لبنان، حيث تتحدث السيدات عن «الفيليبينية» بمعنى الخادمة، وحيث تلاحظ ان هناك آلاف الفيلبينيات لا تحمل أي منهن اسم علم. انها اسم جنس. أما في الخليج فإن العرق الفيليبيني في كل مكان: نوادل وموظفو استقبال وأطباء وسواهم. ولا مشكلة طبعاً في الأمر. لكن كثرة مواطني ايميلدا ماركوس في قطاع الخدمات مربكة قليلا في التخاطب فالأخوة القادمون من الجزر «يأكلون» حرف الفاء ويحذفونه تماماً من أي لغة يتحدثونها. أي ان الفيلبيني المحترم هو «بيليبيني». وعندما تسأل موظف الاستقبال من اين هو، يأتيك الجواب المرفق بالابتسامة: «من البيليبين». سير!

وفي البداية ظننت ان البيليبين دولة أخرى انضمت الى الأمم المتحدة، لكن الرجل شرح لي انه يعني بالبيليبين، البلبين. ما غيرها. سير! وبالاضافة الى الابتسامة يرفق البيليبيني كل كلمة بلقب «سير» من دون ان يكلفك اللقب عناء كثيرا او كرماً فائقاً.

ومعظم الشعوب، في صورة عامة، تميل الى ابتلاع حرف ما من الابجدية او ابداله بآخر. والقاسم المشترك بين اخواننا في السودان وبين الفرنسيين، اضافة الى الاتفاق على «كارلوس»، هو حرف الغين. فالفرنسيون يحولون الراء الى غين مدللة، والسودانيون يحولون القاف الى غين. وبناء عليه فهم يحتفلون «بعيد الاستغلال» كل عام. طيبون.

والعراقيون يحولون الضاد، فخر العرب ولغتهم، الى ظا (د). فاذا كان عراقي على ضلال فانما هو على ظلال. وهي طبعاً غير «ظلال الزيزفون» التي شهرت مصطفى لطفي المنفلوطي أيام الرومانسية وأيام كان الهائمون يموتون تحت الشجر. وأيام كان توفيق الحكيم يستوحي بعض مسرحياته من الحدوتات الشعبية، كما فعل في «يا طالع الشجرة» المأخوذة من طقطوقة بلدية تقول «يا طالع الشجرة هات لي معك ثَمَرة».

المصريون يلغون الجيم من اجل الجيم أو يدمغونها، كما يدمغ الاسبان السين بالثاء، في حين يحول الاردنيون حرف القاف الى جيم مصرية مطهمة، ويحول الكويتيون حرف الجيم الى ياء كما في «ريَّال» بدل «رجَّال».

لكن التعاطي مع الفيلبيني في الخليج يحول المسألة احياناً الى مشكلة، وعليك ان تتعلم سلفاً اي الاحرف يحلو للآسيويين ان يلغوا من الابجدية لكي تفهم ماذا يقولون، او على الاقل ماذا يقصدون. وقد اكتشفت، مثلا، فقط مثلا، ان أهل تايلاند يحلو لهم ابتلاع حرف الكاف. فاذا قال احدهم بالانكليزية، ان الجميع يحبونك، يفهم منه أن الجميع يكذبون عليك! لا كاف في تايلاند، الا ممضوغة مثل حبة المسك، وكل لغة تأكل، في اي حال، الحرف الذي تختاره. والالمان مثل اخواننا في الكويت، يحولون الجيم الى ياء، والروس يأكلون كل الاحرف مجتمعة في نهاية النهار. وقد نام بوريس يلتسين في مطار ايرلندا وهو يحتضن زجاجة تضم كل الابجديات، فيما كان رئيس وزراء ايرلندا ينتظر على سلم الطائرة.

وقد روى لي الفنان أيمن زيدان مرة قصة رجل يأكل نصف الارقام ونصف الكلمات اراد ان يبيع بيته، فذهب ايمن اليه وسأله عن السعر فأجاب 200 ألف ثم ابتلع الباقي. وقال له هل يستطيع ان يقسط المبلغ، فأجاب الرجل: نعم، ولكن فقط على عشرين... ثم ترك الباقي لنفسه. ومنعاً للاحراج طلب أيمن رقم هاتفه على اساس ان يكلمه في ما بعد فأجاب: 0925 وطار الباقي وطار البيت.