عندما يتصرف رامسفيلد على هواه!

TT

اصدر وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، الاسبوع الماضي، مذكرة ألغى بموجبها رتبة عسكرية قديمة هي «القائد العام» التي يحملها الجنرال تومي فرانكس، وغيره من الجنرالات الاميركيين حملة الاربعة نجوم الذين يقودون حروب الولايات المتحدة حول العالم. وظل رامسفيلد يقود حملة ضد كبار الجنرالات والادميرالات الذين صاروا يطلقون على انفسهم لقب القائد العام.

ولكن «رمي»، كما يطلق عليه في البنتاغون من وراء ظهره، لم يكن دكتاتورا حتى النهاية. فقد قال ان «الجنرالات الميدانيين» كما اعاد تسميتهم، يمكنهم ان يستخدموا كل ما تبقى لهم من أوراق مروسة وأدوات مكتبية تحمل الرتبة القديمة. ويمكن ان ينفق البنتاغون ترليونات الدولارات في محاولة اصطياد دكتاتور الشرق الاوسط الذي يعاني من جنون العظمة، ولكنه يحاول توفير بعض البنسات بعدم الاستغناء عن هذه الاوراق.

وتمادى وزير الدفاع الصعب المراس، فمنع استخدام مصطلح «سلطة القيادة الوطنية»، وطلب ان يشار اليه او الى الرئيس تحديدا. فهو يرغب في ربط سلطته باسمه مباشرة.

اصبح دونالد رامسفيلد يذكر الناس بدونالد ريغان، رئيس موظفي البيت الابيض في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان. كان دونالد ريغان معروفا بفظاظته وعنفه، وكان كثيرا ما يفشل في تذكر من هو رئيس الولايات المتحدة. وربما يكون ذلك هو ما حدا به الى تصميم نسخة من حديقة الورود امام مكتبه، واقام حرسه السري الخاص على مقربة شديدة من حرس الرئيس ريغان الخاص.

ولكن دونالد ريغان تمادى اكثر من اللازم عندما حاول حجز طائرة السلاح الجوي رقم واحد، (الطائرة الرئاسية) لزيارة الرئيس ريغان بمستشفى بثيسدا التابع للبحرية اثر اجرائه عملية هناك. ولكن نانسي ريغان كانت له بالمرصاد وذكرته ببرود جليدي ان الطائرة مخصصة للاسفار الرئاسية وليس غيرها.

تحت امرة رئيس البنتاغون عدة طائرات هليكوبتر. كما ان لورا بوش، الانيقة والمتحفظة، ليست ميالة لايقاف المتطفلين عند حدودهم. ولذلك فان رامسفيلد يحمل حبله على غاربه.

اولا: قام هو ومستشاراه الذكيان، بول ولفويتس ورتشارد بيرل، بتكوين وزارة خارجيتهم داخل البنتاغون لتصميم سياسة خارجية اكثر عدوانية وادعاء، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

«نحن الدولة الاولى في العالم. نحن نحب هذا الوضع. وسنحافظ عليه كما هو».

ثم يكونون وزارة دفاعهم داخل وزارة الدفاع، مما يمثل انقلابا مدنيا، وينزعون السلطة من مؤسسة عسكرية اصبحت فريسة للفزع من ارسال القوات الاميركية الى ميادين القتال.

والآن استطاع «رمي» والمقربون منه انشاء وكالة المخابرات المركزية التابعة لهم داخل وزارة الدفاع. ونسبة لان صقور البنتاغون يشعرون بالاشمئزاز من تجاهل وكالة المخابرات المركزية لدعواهم حول العلاقة بين صدام ومنظمة القاعدة، فقد قرروا ببساطة انشاء وحدة استخبارات خاصة بهم داخل وزارة الدفاع، في محاولة للحصول على المعلومات الاستخبارية التي تخدم اهدافهم العسكرية وتبرر سياستهم الخارجية.

هذا يعني اننا بازاء مجموعة من الجواسيس لا تحصل على اية معلومات، ومجموعة اخرى من الجواسيس تبحث عن اية معلومات استخبارية حتى تقوم بتحريفها. ولكننا على الاقل نعرف ان الصقور لن يتمكنوا من انشاء وكالة لحماية البيئة داخل البنتاغون، وذلك لان رامسفيلد ما يزال يخوض معاركه داخل الكونغرس للحصول على اعفاء شامل للقوات المسلحة من كثير من قوانين حماية البيئة.

بينما يبتلع رمي، ذو العضلات القوية، كثيرا من الوكالات الاخرى، فان كارل روفا يبذل جهدا غير عادي لبث الاحساس بجو الرجولة.

منذ هجمات 11 سبتمبر، عندما كان كبار قادة الحزب الجمهوري يخشون ان يبتلع الكرسي الرئاسي ذلك الجالس عليه، ظل جورج بوش يبذل جهدا خارقا لمحاكاة اسلوب رونالد ريغان في الحكم، بما كان ينطوي عليه من قوة وتعال. ونجحت تلك الاستراتيجية نجاحا باهرا فى وضع الديمقراطيين في موقع الدفاع. ومع ان رئاسة الكونغرس ذهبت مع البيت الابيض الى حيث يود فيما يتعلق بالموقف من العراق، الا ان الديمقراطيين صوروا مع ذلك كحزب جبان يرمز له ماكفرن. وما دام والتر مونديل وجيمي كارتر قد عادا الى مقدمة المسرح من جديد، وما دام الديمقراطيون يجملون وجه اليساري المتطرف بول ويلستون، في محاولة للتمسك بقيادة المجلس، فهل يمكن لاشباح الماضي التي ترجع الى فترة اتحاد العمال الاميركيين والكونفدرالية العمالية، أن تنقذ الحزب؟

استطاع ريغان الحقيقي ان يسحق كارتر ومونديل ويضعهما في صورة الولدين الطريين، اللذين لا يملكان مؤهلات القوة التي تؤهلهما لقيادة العالم. اما ريغان المزيف فانه يبذل كل مايستطيع من الطاقة لاعطائنا صورة «حامي الحمى». ولكن هل بذل مجهودا حقيقيا لحمايتنا من أي شيء؟

ما يزال اسامة بن لادن حرا طليقا. ما زلنا نجهل من ارسل رسائل الجمرة الخبيثة. ويمكن ان يشن لتنظيم «القاعدة» هجوما آخر في اية لحظة. الاقتصاد ينفجر من الداخل. نسب الجريمة ترتفع.

الشريران الوحيدان اللذان قبض عليهما منذ 11 سبتمبر، هما القناصان، ولم يقبض على هؤلاء الا لانهما تركا اثرا واضحا يقود الى سيارتهما، حيث كانا يغطان في نوم عميق.

* كاتبة اميركية ـ خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»