شارون يواجه مجددا خيار الحرب والسلام

TT

القرار الذي اتخذه رئيس وزراء إسرائيل أرئيل شارون بتقديم موعد الانتخابات، قد يشكل نقطة تحول نحو السلام أو نحو حرب أوسع بكثير من التي شنّت على الفلسطينيين وأدت إلى انعكاسات كارثية على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

أصبح أمر الحرب والسلام، أمراً يقرره الناخب الإسرائيلي مرة أخرى، لكن، هذه المرة، بعد تجارب مريرة ومرّة مر بها الفلسطينيون والإسرائيليون على مدى عامين من الزمن: خسائر بشرية بالآلاف، جرحى بالآلاف، بيوت دمرت، أشجار مثمرة اقتلعت، شابات وشبان في عمر الورد، راحوا ضحايا العنف، سواء كان العنف الذي استخدمه بعض الفلسطينيين ضد المدنيين الإسرائيليين أو العنف الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي والمستوطنون المسلحون ضد المدنيين الفلسطينيين، هذه هي حصيلة العامين الماضيين.

وللعاقلين من الطرفين، أصبحت المعادلة واضحة: العنف لا يولد إلا العنف، ولا حل لأمن فلسطين وأمن الإسرائيليين إلا الاتفاق السياسي. لذلك نقول، إن قرار شارون بتقديم موعد الانتخابات يحمل في طياته فرصة للسلام، وفرصة لحرب أوسع من التي نشهدها في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل. والدروس من تجربة العامين الماضيين يجب أن تستخلص خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية والفلسطينية، إذ ان انشداد المجتمع الاسرائيلي للانتخابات القادمة في شهر فبراير من العام 2003، يجب ألا تنسيه أن هذا التاريخ يتطابق مع الموعد الذي حدد للانتخابات الفلسطينية ايضا، ويجب ألا ينسى الفلسطينيون ان الانتخابات ستجري في إسرائيل وفلسطين. لذلك فإن استخلاص دروس التجربة يشكل حجر الرص لحسم المواقف ولرسم سياسة المستقبل استناداً لبرامج الأحزاب والحركات المتنافسة في الانتخابات على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ولا شك أن أهم الاستخلاصات من الوضع الكارثي الذي نشأ خلال العامين الماضيين هي:

ـ ان على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يعترفوا بحق الشعبين بالعيش بأمان وسلام وضمن حدود محترمة وآمنة ومعترف بها.

وهذا يعني أن على السلطة الوطنية الفلسطينية أن ترسخ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني الذي اعترف بحق اسرائيل بالعيش بأمان وسلام، وضمن حدود معترف بها، الى جانب دولة فلسطينية كاملة السيادة على الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967، تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية.

والحقيقة التي برزت خلال هذه الاحداث الدموية، هي ان بعض الفلسطينيين لا يقرون بهذه القرارات التي اتخذها اعلى مرجع للشعب الفلسطيني وهو المجلس الوطني الفلسطيني، وهو الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية (الكيان السياسي للشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها).

كذلك برزت في اسرائيل آراء ترفض الاعتراف والتعامل مع الحقيقة والحق، خاصة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

ولقد ساعد هذا كثيراً في بلورة واشاعة هذا الرأي لدى المجتمع الإسرائيلي ما صرح به بعض المتطرفين الفلسطينيين حول عودة أربعة ملايين ونصف المليون من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، مما أوحى للرأي العام الإسرائيلي بأن إسرائيل تخوض معركة بقاء وليس معركة ضد التطرف!

وعلى الجانب الفلسطيني حصل نفس الشيء، فالآراء التي تفوه بها المتطرفون الإسرائيليون حول رفض حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة، لا بل والتلويح بالترانسفير، بث بسرعة رأياً عاماً يقول بأن إسرائيل تريد أن تصفي الشعب الفلسطيني وتستولي على ارضه وتبني المستعمرات عليها. وخدمت هذه الآراء الجهات المتطرفة في فلسطين خدمة كبيرة، وحصل المكروه، فقد التقى، موضوعياً، التطرف الفلسطيني بالتطرف الاسرائيلي، وراح ضحية هذا اللقاء (الموضوعي) ضحايا بالآلاف من الطرفين.

هذا هو الاستخلاص الأساسي على عتبة الانتخابات الاسرائيلية والفلسطينية.

الفلسطينيون بأغلبيتهم الساحقة يريدون السلام، ويريدون العيش بأمان ضمن حدود دولتهم المستقلة الآمنة (حدود 1967) وأنا على يقين أن أغلبية الإسرائيليين تريد العيش بسلام وأمن ضمن حدود دولتهم المعترف بها والآمنة.

وأمر الحرب والسلام أمر قد يكون شائكاً جداً، لكنه في الوقت ذاته قد يكون أمراً واضحاً وسهلاً جداً.

فإذا كان الفلسطينيون يعترفون بحق إسرائيل في العيش بسلام ضمن حدود آمنة معترف بها، وإذا كان الإسرائيليون يعترفون بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة ضمن حدود آمنة ومعترف بها، فأين هي المشكلة؟.

قد تكون المشكلة في عدم قدرة الطرفين على الوصول لعقول بعضهما البعض، وقد تكمن في تراكمات الماضي والأفكار الاستعمارية القديمة. وقد تكمن في احلام رومانسية تراكمت مع الزمن لدى بعض الفلسطينيين حول تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، قد تكون كل الأسباب مجتمعة.

لكن ما أريد توضيحه هنا، هو ان ارئيل شارون يملك الآن فرصة للسلام، فقد امتلك دائما فرص شن الحرب، ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من جهد شارون لشن الحرب، فإسرائيل تملك أقوى جيوش المنطقة وتستخدم اكثر الأسلحة تقدماً وبلورة من الناحية التكنولوجية، فأسلحة الدمار والتدمير متوفرة لديها وقرار الحرب يتخذه جنرال من طرف واحد، لكنه الآن يمتلك فرصة للسلام، والسلام لا يتخذ بقرار من طرف واحد، بل يحتاج إلى طرفين.

قد أكون هنا أكتب تحت بند التمنيات والأمل، لكن القراءة الموضوعية للواقع الراهن، ودراسة النتائج المدمرة (للطرفين) لشن الحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة تعطي مؤشرات واضحة لما يجب أن يفعله شارون لمصلحة الشعب الاسرائيلي ولمصلحة الفلسطينيين الذين شاء البعض أم أبى سيعيشون جنباً إلى جنب مع الإسرائيليين.

انها فرصة السلام، والعالم يريد السلام ويريد استقرار الشرق الأوسط.

والرئيس جورج دبليو بوش الذي اعطى شارون كل الاضواء الخضراء التي يريدها، بدأ بإحلال الاضواء الصفراء مكانها، فهل سيرى شارون ذلك؟ وهل سينتظر الاضواء الحمراء أم سيفهم الرسالة؟ وإذا كان يراهن على حرب ضد العراق أريد أن أقول له إن حرباً على العراق لن تحل المشكلة (إذا شنت) فالشأن على ارض فلسطين التاريخية شأن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.

واعتراف كل شعب بحقوق الآخر وتخلي كل الاطراف عن افكارهم التوسعية غرباً أو شرقاً والاقتناع بحل الدولتين هو سبيل السلام.