نعم.. الأردن أولا وثانيا.. وعاشرا

TT

الأردن أولا وثانيا وثالثا إلى ما لا نهاية، إن كان هذا الشعار يفتح شهية الأعداء قبل الأحبة لمناقشته على أساس كلمة حق أريد بها باطل، أو حتى من باب دس أنوف من لا شأن لهم في الأردن أولا وثانيا، ولا يحق لهم أن يتناولوا الشأن الأردني الداخلي لأنهم ليسوا معنيين بذلك، كما أن احدا لم يطلب رأيهم.

في ظل بعدنا، نحن الأردنيين، في الخارج عن ارض الوطن، إلا أننا نتابع أخباره يوما بيوم، السياسية منها والاقتصادية، الداخلية والخارجية، وما لاحظناه مؤخرا ان الوطن العزيز أصبح حديث الإعلام العربي والدولي، على صفحات الصحف وعلى شاشات الفضائيات، فكل يدلو بدلوه، وكل يحلل ويستنتج ويقرر المواقف على مزاجه أو حسب توجهات الجهة التي تقف وراءه».

وبين هذه وتلك من الموضوعات التي تهم أردننا، برز موضوع شعار «الأردن أولا»، وآخر حول وضع الأردن في حال نشوب حرب ضد العراق، وإمكانية استغلال العدو الصهيوني لذلك الوضع للقيام بعملية ترانسفير للإخوة الفلسطينيين من الأراضي المحتلة الى الأردن، وامتدت النقاشات والمقالات تعلق وتناقش وتخرج بآراء مختلفة، وغالبا ما يتم ذلك في غياب طرف أردني يوضح أو يدافع عن وجهة النظر الأردنية.

ولعلني هنا اعلق على ما أثير حول شعار الأردن أولا، وما ناله من تعليق، بل تعليقات مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم انتقل لمناقشة موقف الأردن في حال نشوب حرب ضد العراق، وإمكانية استغلالها للقيام بعملية ترانسفير للفلسطينيين الى الأردن، الى جانب هروب أعداد كبيرة من الإخوة العراقيين أيضا الى الأردن خوفا من مآسي الحرب ونتائجها.

فبالنسبة لكون الأردن أولا.. نقول نعم، الأردن أولا وثانيا وعاشرا، فقد آن لهذا البلد المرابط، الصغير في مساحته والكبير بشعبه وقيادته، أن يرتب وضعه الداخلي في ظل ما يتعرض له من أخطار عدة، فخمسمائة كيلومتر من خط المواجهة مع العدو الأول للأمتين العربية والإسلامية، وخداعه ومكره وعدم الأمان لمواثيقه وعهوده، تتطلب بالفعل ان يكون الأردن أولا، لأن هذا العدو لا أمان له، يتحين الفرص لينهش هذه أو تلك من دول الجوار، متناسيا أية عهود أو مواثيق كان قد التزم بها أو اتفاقيات وقع عليها.

الأردن أولا.. قد يكون جاء متأخرا على أساس أولوية المصالح، ولكن المهم أنه جاء، وان كان أحد الكتاب العرب قد تناول في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، في عددها الصادر يوم الاثنين 4/10/2002، هذا الشعار، من جانب أن أحد قادة بلاده قد طبقه قبل عقود ولم ينجح في تحقيق أهدافه، فليس هذا ذنب الأردن أو الأردنيين.

فليس الأردن من تخلى عن فلسطين والفلسطينيين في يوم من الأيام، وليس الأردن من قدم مصالحه الخاصة على قضايا أمته، وليس هناك من قدم لفلسطين وأرضها شهداء أكثر مما قدم الأردنيون، بل ليس هنالك بلد عربي احتضن عددا من الإخوة الفلسطينيين المهجرين، وقاسمهم لقمة عيشه أكثر من الأردن وشعبه، رغم صغر مساحته وقلة موارده الطبيعية، إن لم نقل انعدامها.

فالأردن ليس لديه ما يستعرض فيه قوته، سواء العسكرية أو المالية أو الثروات التي تجعله يفرض رأيه في بعض الأحيان، ولكنه يفرض وجوده واحترامه من خلال حكمة قيادته وإخلاص شعبه ومصداقيتهم في الوقوف صفا واحدا خلف قيادتهم، إذا ما نادى منادي الواجب ان هبوا بني قومي فالظلم قد حل، والابتلاء واقع لا محالة، وضحوا بالغالي والنفيس من اجل عروبة وإسلامية القدس وفلسطين.

وحتى لا يصبح الحديث في العلاقة الأردنية ـ الفلسطينية مدار بحث مسهب، ومن ثم مجالا للتشكيك والتهويل، أقول إن قدر الشعبين ان يلبسا ثوبا واحدا، ويأكلا لقمة واحدة في الظروف التي لا مجال فيها لتخلي الأخ عن أخيه في العروبة والإسلام، وستبقى قافلة التلاحم الشعبي الأردني ـ الفلسطيني تسير بقوة، وستستمر الأفراح المشتركة لهذا التلاحم، وسيبقى الناهشون في هذا التلاحم وتلك الأفراح ينبحون دون أدنى اكتراث من القافلة ومن تضم.

أما بالنسبة لموقف الأردن ووضعه في حال نشوب حرب ضد العراق، فلا اعتقد أن للأردن دوراً في منع أو قيام هذه الحرب، كما هو حال الدول العربية المحيطة بالعراق، فالولايات المتحدة قررت أنها هي صاحبة القرار في ذلك، وستقوم بما تراه مناسبا لمصالحها ولن يقف في طريقها احد، حيال هذا الأمر، حتى اقرب وأقوى حلفائها في المنطقة، لذا وبعد هذا كله، فقيام الحرب من عدمه سوف يتم التعامل معه أردنيا في وقته، في ظل الدعوات التي تطلقها القيادة الأردنية بضرورة تجنب الحرب وتغليب الطرق الدبلوماسية لحل النزاع، لان الحرب إن حصلت فلن تكون عواقبها معروفة، لكنها، بلا شك، ستسبب الدمار والويلات للعراق والمنطقة كلها.

في الحرب الماضية على العراق لم يجد الأردن طريقا أمامه سوى الدعوة لتجنب الحرب، وقرر أنه مع العراق كشعب وكدولة عربية وإسلامية، رغم ما تعرض له من تشكيك في المواقف من أن وقفته تلك بسبب حاجته لنفط العراق، مع أن الأردن يدرك تماما أن موضوع النفط الذي يخفف العراق من عبء فاتورته على الأردن حوالي مليون دولار، بامكان أي من دول الخليج العربي أن تسدد فاتورته كاملة.

وأولا وآخرا، يبقى الأردن محترما لنفسه، محترما لكن لا بد له من موقف في كل قضية، يتخذه على أساس ما تمليه عليه مبادئه وثوابته الوطنية، فليس معنى محدودية الإمكانيات المالية والثروات الطبيعية أن يكون هذا البلد لا رأي له ولا قرار، فعلى مر الأيام اتخذ الأردن قرارات مصيرية في حياته السياسية، وتحمل نتائجها سلبا وإيجابا، بدءا من الحروب مع إسرائيل، رغم ضعف الإمكانيات العسكرية، وانتهاءً بالموقف من حرب الخليج الثانية رغم ضعف امكاناته المادية.

الأردن أولا، شعار أرادت القيادة الأردنية رفعه من أجل النهوض بالإنسان الأردني، وهذا الإنسان هو الذي يقرر قبول أو رفض هذا الشعار دون أدنى تدخل غير مقبول يحاوله هذا أو ذاك من الكتاب، مصراً على أن يدس أنفه فيما لا يعنيه، ويحاول التعليق، فلا يظهر ما يقصد ولا يوصل ما يريد.

وأخيرا وليس آخرا، فمن أراد أن يتناول أي شأن أردني من قريب أو بعيد، فلا بد له أن يتناوله دون نفخ السموم فيه، ودون مس بالأردن حجما أو الأردنيين إنتماء لأمتهم، وليتذكر قبل كل شيء حجم دولته وعدد شعبها وماذا قدموا لأمتهم مقارنة بالأردن، قبل أن يتناول حجم وعدد شعب الأردن، ويقرر فيما إذا كان الأردن وكيانه في خطر أم لا.

* محامٍ أردني في السعودية