قمة براغ الأطلسية

TT

تنعقد اليوم وغداً قمة حلف شمال الاطلسي «ناتو» في العاصمة التشكية براغ، ويأتي انعقادها وسط الترقب الدولي لآخر مستجدات الحرب الجارية ضد «الارهاب» والحرب المرتقبة ضد العراق. ويبدو من المؤكد ان تطغى هاتان الحربان على جدول اعمال القمة التي تنعقد بحضور الرئيس الأميركي جورج بوش، رغم ما فيها من مسائل تنظيمية تتعلق بتوسيع العضوية ورسم العلاقات بين الحلفاء الغربيين الرئيسيين.

اصلاً انعقاد القمة في براغ، التي كانت ابان سنوات الحرب الباردة احدى عواصم الدول الشيوعية الاعضاء في حلف وارسو الساقط، دلالة ناطقة على التغير الجوهري الذي طرأ على المعادلة الدولية منذ انهيار «جدار برلين». وبقاء «ناتو» بعد سقوط عدوه القديم اللدود قطع بأن النظام العالمي الجديد بزعامة الولايات المتحدة انما جاء بانتصار فعلي، وترسخ على أنقاض النظام العالمي السابق المحكوم بـ«توازن الرعب» وتقاسم مناطق النفوذ وفق حسابات الثورات والثورات المضادة. وكانت البقية الباقية مما حفظ لروسيا من ماء الوجه قد تبخر عبر الاصرار على مد حدود «ناتو» الى اوكرانيا. أي الى حدود روسيا ذاتها.

فاليوم روسيا مجرد لاعب ثانوي، لا يقام له وزن ولا يشاور ولا يستمزج رأيه الا وفق اعتبارات اللباقة الدبلوماسية ليس الا، وهذا ما يثبته انقضاء عهد «الفيتو» وفتح صفحات التنسيق الامني والسياسي والاقتصادي اللامتوازن في معظم الاحيان.

مع هذا، تعلمت روسيا التعايش مع الاحادية الاميركية في معترك السياسة الدولية، ربما بنفس الدرجة التي تعلمت فيها الدول الاوروبية الكبرى على امتداد عقود اصول التعايش وضروراته مع الجبار الاميركي حتى ضمن المعسكر الواحد. فالمسألة في نهاية المطاف مسألة احترام رغبات وتقدير حساسيات ومن ثم «قبض الثمن». وفي حقب زمنية كالحقبة الحالية، يندفع فيها العالم بأسره نحو «العولمة» بسرعة انكفاء الولايات المتحدة نحو الاقليمية والمصالح الضيقة داخل مجتمعها، لا بد ان الحليف الحميم القديم وكذلك الشريك الاضطراري الجديد يشعران بثقل اللا توازن الحاصل. والواقع انه في اي ظرف آخر، ما كان لحلف عسكري كلاسيكي له مثل «ناتو» ان يساهم في حملة غير كلاسيكية كالحملة الراهنة ضد «الارهاب». وما كان لهذا الحلف رغم اتساع رقعة مسرح عملياته ان يساهم في الحرب المرتقبة على العراق، الواقع خارج نطاق منطقته الجغرافية.

بيد ان هذين العنصرين سيكونان حاضرين، بعدما تأمّن الاتفاق على الخطوط العريضة، وانقذت الاستعانة بالامم المتحدة المترددين من الحرج، بينما أتيح للروس إعادة طرح ملف الشيشان من جديد على طاولتي الارهاب والاصولية.