أخطر من دبابات شارون

TT

فكرت مليا قبل ان اكتب حول هذا الموضوع الذي يشغل بال المواطنين الى الحد الذي صار فيه المواطن المحاصر والممنوع من التجوال، والذي لا يجد لقمة العيش يرى في زعران السلطة خطرا كبيرا اكبر من الدبابة، خاصة ان هؤلاء الزعران الذين اختبأوا لحظة الاجتياح عادوا الآن ليعيثوا في الارض فسادا وليردعوا المواطنين الذين روعتهم دبابات شارون وحولت اطفالهم الى مستشفيات الامراض النفسية والعصبية.

لقد ترددت في الكتابة حول هذه الامور لانني كنت اغلب دائما التناقض الرئيسي على التناقضات الفرعية واقول لنفسي، يجب عدم الخوض في هذه الامور في ظل ارهاب دبابات الاحتلال وعمليات القتل اليومي وجرائم الحرب التي يرتكبها شارون، وفي ظل حرب التجويع والترحيل.

ولكن، عندما وصلت الامور الى الحد الذي اصبح فيه المواطن الفلسطيني يفكر بالرحيل بسبب ممارسات زعران السلطة او الزعران الذين فلتوا في الشوارع في غياب السلطة، وليس بسبب الحرب الاجرامية الاسرائيلية، فهذا يقتضي ان نقول للسلطة الحقيقة علنا بعد ان قلناها داخليا، ولكن لم يستجب احد للقول، ولم يتحرك احد.

والغريب في هذا المجال ان مسؤولي السلطة لا يستوعبون، حتى الآن، اهمية الضبط والربط، ولا يحركون ساكنا ازاء هذه التصرفات الشاذة والضارة والمهينة للمواطنين. ولا يفكرون ولا يخططون كيف يخدمون ويساعدون هذا الشعب الصامد المرابط، بل يتركون الامور تزداد سوءا، ليس بسبب دبابات الاحتلال فقط، بل بدرجة اكبر بسبب «الزعرنة» التي تعبر عن نفسها بالاستقواء على المواطن والاستعلاء عليه وتحويل حياته الى جحيم، جحيم مطرقة دبابات شارون وسندان الزعران، سواء كانوا يتصرفون بقوة اذرعهم في ظل غياب اجهزة امن السلطة، او كانوا من اجهزة امن السلطة نفسها.

لا يوجد اي مبرر او اي تفسير لهذه الظاهرة سوى عدم قيام القيادة الفلسطينية بضبط الامور. ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تشغل «المسائل الكبرى» القيادة الفلسطينية عن التعاطي مع شؤون المواطنين وامنهم وصحتهم ونظافة مدنهم وبيئتهم. لقد ادت هذه التطورات الى انهيار امن المواطن وانهيار التهذيب والتقاليد الحميدة، والى انتشار قلة الادب والاعتداء النفسي على المواطنين وشجع كل من هو مؤهل ليكون «مافيا» او «ازعر» ليمارس هذه المؤهلات. فلا ضبط ولا ربط. وترى اجهزة الامن وقادتها يراقبون هذه الممارسات اللااخلاقية بحق المواطنين يرقبون ويسمعون ولا يحركون ساكنا لدرجة ان المواطن بدأ يظن ان هذا الفلتان هو فلتان يحميه بعض قادة اجهزة الامن.

انا ابن مخيم، قال احد الزعران ردا على من وبخه لانه تلفظ بلسانه وبحركات يده بالكثير مما يحرج مجموعة طالبات كن يتوجهن للجامعة، ويجعلهن يبكين لان الحادث حصل اثناء توقيف الجنود الاسرائيليين لهن على حاجز سردا «استعير هذا من مقالة الأخ حافظ البرغوثي في صحيفة «الحياة الجديدة» الصادرة يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، فها هو فلسطيني يتصرف هكذا لاذلال الفتيات على مسمع ومرأى من جنود الاحتلال على حاجز سردا ويرد على المنتقدين الذين وبخوه «انا ابن مخيم» وينهال عليهم بنفس التعابير اللسانية وحركات اليد اللااخلاقية.

وفي رام الله يتصرف السائق وكأنه طليق في مضايقة المواطنين دون حسيب او رقيب. ويفرض الاجرة التي يريد والا نالك منه ما نال الطالبات على حاجز سردا. وفي رام الله يتصرف السائقون وكأن لا احد غيرهم يمر في الشوارع. يقفون في عرض الطريق ويعطلون حركات السير، لانهم يريدون التحدث مع بعضهم البعض.

وفي رام الله ايضا، اهم مصايف فلسطين، ومدينة النظافة (سابقا) تحول ميدان المنارة وميدان الساعة الى سلتي قمامة، تمر بهما فترى اكواما من الاوساخ والقمامة تناثرها الرياح وكأنك في مدينة خالية من السكان مع ان الميدانين يعجان بسيارات الاجرة.

رجال الامن غائبون، شرطة السير غائبة، عمال النظافة غائبون فأين البلدية واين المحافظ واين ضباط الامن وضباط السير، اين هم؟

اين هي الجهة التي تهتم بالصحة العامة والبيئة.

وتمر بشارع الارسال «وهو شارع رئيسي يؤدي الى مقر الرئيس ياسر عرفات» فترى اكواما من القمامة تحرق، من اشعل النار ولماذا؟

وهل يعلم هؤلاء ان القمامة تحتوي على مواد بلاستيكية ومعدنية يؤدي الابخار المتصاعد من نيرانها الى تلوث البيئة والاضرار بالصحة العامة.

هذا جرى ويجري على مقربة من مستشفى يعالج المرضى والجرحى.

ليس هذا فحسب، بل ترى رجل امن او مسؤولا في الامن يهدد ويتوعد «وقد يصل الامر الى التكسير والتهديد بالويل» إن لم ينفذ بائع معين ما يطلبه منه.. وان لم يطع اوامره.

هذا الانهيار الخلقي يجب ان تضع له القيادة حدا فوريا، والا انعكس عليها وعلى صمود الشعب والمواطنين في وجه الاحتلال. سألت احدهم: هل يتجرأ هؤلاء على مثل هذا التصرف في ظل وجود شرطي او جندي اسرائيلي؟ فاجابني لا. وتابع يقول: عندما يرى السائق حاجزا اسرائيليا يضع حزام الامان فورا. لأن وضع الحزام هو قانون. وعندما يدخل رام الله يفكه فورا، وكأن القانون وتطبيقه هو فقط امام الاسرائيلي المحتل.

ويتباهى السائقون «سواء كانوا سائقي سيارات اجرة او سيارات الأمن» بعدم الالتزام باشارات المرور ـ لم يعد هناك فارق بين الضوء الاحمر او الاخضر. وعلى المواطن او المواطنة اتباع الحذر عندما يقطعون الاشارة الضوئية لان الألوان لم يعد لها معنى لدى هؤلاء، مما يعرض الناس لخطر شديد. ويحلو لسيارات السلطة او اجهزتها السير في الطرقات، مخالفين اتجاه السير الذي يكون في هذه الاحوال اتجاها واحدا، فهم مشغولون ومستعجلون لذلك يسيرون باقصى سرعة في الاتجاه الممنوع.

لقد اكتوى المواطن. فها هي مطرقة دبابات شارون تدمر بيته وتحرق محله التجاري وتذيقه العذاب، وها هو سندان الزعران يحول حياته الى جحيم. ونخشى ان نقول ان على القيادة ان تقف وقفة حازمة وجادة امام هذا الامر. فالاحتلال لا يقف عثرة في وجه تنظيم وضبط الاحوال المعيشية للمواطن، ولا يمنع من معاقبة رجل امن يعتدي على كرامة المواطن او يحول دون تنظيم حركة السير، ولا يمنع تنظيف الشوارع وجمع القمامة.

اخشى ان اقول ان على القيادة ان تتصرف فورا من اجل استمرار صمود هذا الشعب، وحتى لا يتحول صموده الى سبب يستقوى عليه رجال الامن «الذين يفترض فيهم حمايته» او الزعران الفالتون لغياب اجهزة الامن.

كان بودي ان اكتب حول التوقعات السياسية بعد فوز الجنرال عميرام ميتسناع بزعامة حزب العمل، لكن شعوري بأن بركانا يتنامى في اوساط المواطنين بسبب هذه الممارسات جعلني افضل ان اكتب حولها حتى تعي القيادة خطورة ما يدور والى أي حد يتم اذلال المواطنين واهانتهم رغم وجود دبابات شارون وقوات الاحتلال.

ممارسات قوات الاحتلال القمعية والاذلالية معروفة ومواجهتها هي في الصمود.

لكن ان يأتي الاذلال من الداخل فهذا ظلم كبير لا بد من وضع حد له.