العقل.. ومناط التكليف في الإسلام

TT

في الاسلام العقل هو مناط التكليف.. فغيبة العقل ترفع التكليف، ونقصانه ـ مثل السفه ـ يخل بمؤهلات التكليف. وبما ان التكليف في الفرائض الاسلامية، موجه الى الرجال والنساء على حد سواء فلا يمكن ان تكون المرأة ناقصة في العقل بمعنى الضبط والإدراك.. وما تتميز به المرأة من غلبة العاطفة على الحسابات العقلية المجردة هو ميزة للمرأة، تجعل عطاءها العاطفي في تربية الاطفال والحفاظ على الاسرة، عطاء بلا حسابات وبلا حدود.

وفي هذه الحقائق ـ التي غفل ويغفل عنها الكثيرون ـ يقول الامام الاكبر الشيخ محمد شلتوت (1310 ـ 1383 هـ ـ 1893 ـ 1963م) «لقد قرر الاسلام الفطرة التي خلقت عليها المرأة.. فطرة الانسانية ذات العقل والادراك والفهم، فهي ذات مسؤولية مستقلة عن مسؤولية الرجل، مسؤولة عن نفسها، وعن عبادتها، وعن بيتها، وعن جماعتها.. وهي لا تقل في مطلق المسؤولية عن مسؤولية اخيها الرجل، وان منزلتها في المثوبة والعقوبة عند الله معقودة بما يكون منها من طاعة او مخالفة، وطاعة الرجل لا تنفعها وهي طالحة منحرفة، ومعصيته لا تضرها وهي صالحة مستقيمة (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا). النساء 124. (فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) آل عمران 195.

وليقف المتأمل عند هذا التعبير الالهي: «بعضكم من بعض» ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا من الرجل، وكيف حد من طغيان الرجل فجعله بعضا من المرأة. وليس في الامكان ما يؤدى به معنى المساواة اوضح ولا اسهل من هذه الكلمة التي تفيض بها طبيعة الرجل والمرأة والتي تتجلى في حياتهما المشتركة دون تفاضل وسلطان (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) النساء 32.

والمرأة في الاسلام، مسؤولة مسؤولية عامة في ما يختص بالدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والتحذير من الرذائل، وهي قرين الرجل في هذه المسؤولية العامة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) التوبة 71. فليس من الاسلام ان تلقي المرأة حظها من تلك المسؤولية على الرجل وحده بحجة انه اقدر منها عليها فللرجل دائرته، وللمرأة دائرتها، والحياة لا تستقيم الا بتكاتف النوعين في ما ينهض بأمتهما.

والاسلام فوق ذلك لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع اخيها الرجل في المسؤوليات جميعها ـ خاصها وعامها ـ بل رفع من شأنها، وقرر احترام رأيها فيما تبدو وجاهته، شأنه في رأي الرجل تماما سواء بسواء. واذا كان الاسلام جاء باختيار اراء بعض الرجال فقد جاء ايضا باختيار رأي بعض النساء وفي سورة المجادلة، احترم الاسلام رأي المرأة وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها واياه في خطاب واحد (والله يسمع تحاوركما) وقرر رأيها، وجعله تشريعا عاما، خالدا. فالاسلام لا يرى المرأة مجرد زهرة، ينعم الرجل بشم رائحتها، وانما هي مخلوق عاقل مفكر، له رأي وللرأي قيمته ووزنه.