نعم.. أخطأنا في تأجيل المفاوضات وفي محاصرة عرفات

TT

سترجأ في الغالب كل المساعي الرامية الى التوصل لتسوية لإنهاء النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني الى ما بعد الازمة العراقية. فهذا التأخير والوقت اللازم لإجراء التحضيرات للانتخابات المقبلة في اسرائيل يوفر وقتا لوضع اساس للمرحلة التالية من المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكن هناك درسين مهمين اعتقد انه من الضروري استخلاصهما من جولة المفاوضات السابقة.

الدرس الأول، لا بد من تفادي اتخاذ قرار بما يأتي اولا وما يمكن ان يأتي لاحقا في المفاوضات، سواء كان ذلك مطالبة بإنهاء الارهاب قبل التفاوض حول تسوية دائمة او المناشدة بإجراء اصلاحات في الحكومة الفلسطينية كشرط لوقف اطلاق النار. فكل العناصر متداخلة على نحو يجعل من الشروط المسبقة أمرا لا معنى له.

ربطت الحكومة الاسرائيلية الفائتة بين المفاوضات من اجل التوصل الى سلام دائم بوقف الارهاب، وفي البداية نادى رئيس الحكومة آرييل شارون بـ«سبعة ايام من الهدوء»، بيد ان ذلك لم يتحقق، وبذلك نقل مصير المفاوضات الى حماس والجهاد الاسلامي. وفي هذه الظروف، فإن نجاح انتحاري واحد في الدخول الى مستوطنة وقتله عددا كبيرا من المدنيين يمكن ان ينهي المفاوضات.

الدرس الثاني يتلخص في صعوبة وضع نهاية للارهاب دون التعاون مع الفلسطينيين، فهم يعرفون مواطن تفريخ الارهاب والمتورطين فيه اكثر من معرفة الاسرائيليين لهذه الامور. ولكن فرصة تعاون الفلسطينيين معنا تظل ضعيفة إلا اذا تمكنوا من تحديد مصلحة معينة من هذا التعاون وافق سياسي على وجه التحديد. لذا، فإن وجود هدف سياسي مقبول لكلا الطرفين مسألة حيوية، إلا ان الهدف السياسي يمكن تحقيقه فقط من خلال المفاوضات السياسية. لكي تصبح المفاوضات مثمرة، لا بد ان تكون هناك اصلاحات في السلطة الفلسطينية لإقناع اسرائيل بأنها تتعامل مع شريك يعتمد عليه، اذ ان الشريك الذي يعتمد عليه لا يمكن ان يتمثل في فرد تتملكه الاهواء، فوجود قيادة مسؤولة تميزها ممارسات حكومية سليمة امر ضروري.

وعليه فإن من الضروري العمل في ثلاثة مجالات في نفس الوقت، أي في مجال مكافحة الارهاب والمشاركة في المفاوضات واجراء الاصلاحات. ناقشت هذا الامر مع قادة فلسطينيين بارزين وخرجت بانطباع بأنهم على استعداد للاضطلاع بهذا المسعى الثلاثي.

ما يمكن قوله هنا هو ان مجموعة الموجهات والتعليمات التي اقترحتها الحكومة الاميركية تتضمن ثلاث محطات رئيسية، غير ان التحرك من محطة الى اخرى يعتمد على النتائج التي احرزت في كل منها طبقا لتسلسل محدد سلفا. انا شخصيا اود ان تكون هناك ثلاثة طرق متوازية تسير فيها حركة المرور بسرعة كاملة، بدلا عن محطات تعرقل الحركة المحتملة الى الأمام.

ثمة درس آخر يتعلق بالإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، فقد عبرت عدة جهات عن رأي يتلخص في ان عرفات لم يعد شخصا مناسبا وانه يجب تغييره، اذ ان اطرافا اوروبية وعربية طالبت بتعيين رئيس للوزراء على ان يكون عرفات في موقع تمثيلي فقط، بيد ان هذا ايضا لم يتحقق، اذ يعود جزء من السبب إلينا نحن الاسرائيليين عندما اجبرنا عرفات على البقاء محاصرا بمقره في رام الله مما ساعد في احياء تأييده وسط الكثير من الفلسطينيين. اما التصور الذي تمثل في ان القوى الخارجية يمكن ان تحدد من سيكون الزعيم او الزعماء الفلسطينيون، فقد ثبت انه مفهوم مغلوط.

فالمناشدة بالإصلاح في نظام الحكم اكثر جدوى من تركيز كل الانتقادات على شخص واحد، رغم الواقع الذي يقول ان السلطة الفلسطينية اضعفها تركز السيطرة على السياسات والامن والامور المالية في يد شخص واحد. ترأس عرفات السلطة الفلسطينية لمدة تسع سنوات حتى الآن شهدت تدهورا في كل المجالات السياسية والامنية والاقتصادية.

الدرس الذي يمكن ان نخرج به لا بد ان يكون براغماتيا، فما هو مطلوب هو تغيير النظام لأن المعركة ليست ضد شخص فرد وانما ضد نظام وهو نظام عرفات. عرفات يقف على رأس الثورة الفلسطينية ولكن ما يصلح للثورة لا يصلح لحكم دولة، لذا فإن التحول من اعتباطية الثورة الى مبادئ حكم الدولة هو الكفيل بتغيير وضع الشخص الموجود على رأس النظام.

النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي نزاع طويل يمكن ان يختبر صبر وثبات الطرفين. يجب تسريع الخطوات وايجاد حل من اجل إقامة دولتين جنبا الى جنب في منطقة تتفوق فيها الانجازات الاقتصادية على اسباب النزاع.

* رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»