تركيا وزلزال القناعات

TT

لا اظن ان انتصار الاسلاميين في الانتخابات التركية علامة تاريخية فاصلة في المعترك السياسي التركي فحسب، بل هو ايضا منعطف مهم في النظرة التقليدية لليبراليين العرب تجاه خصومهم الاسلاميين. وان الترحيب الذي حظي به حزب العدالة التركي حري بأن يتبعه ترحيب اشد حرارة لليبراليين العرب الذين كسروا عداوتهم التقليدية للاسلاميين فرحبوا ـ وان بتحفظ ـ بانتصار حزب العدالة الاسلامي في تركيا. ومن يدري، فلعل الليبرالية قررت الصوم في رمضان عن التعميم، فجاء هذا الترحيب الاستثنائي!!

زلزال الانتخابات التركية الاخير هز بعض الادبيات والمفردات عند ليبراليينا الاعزاء، فقبل هذا الزلزال كان لليبراليين العرب غرام بألفاظ التعميم، خصوصا سيدتها (كل)!! فكل الاسلاميين متطرفون، وجميعهم متشددون، ومجملهم ارهابيون، وسوادهم استئصاليون، وعامتهم ظلاميون، وجلهم متخلفون!! نظرة الليبراليين المنصفة طالت كل الملل والنحل إلا الاسلاميين، فالشيوعيون ليسوا سواء!! وفي الرأسماليين من إن تأمنه بقنطار من التأييد لقضايانا يؤده اليك!! و(بعض) اليهود متعاطفون مع قضايانا، بل بعض الاسرائيليين ضد الفكرة الصهيونية، ويحلفون لك بأن انصار المعسكر الاسرائيلي ليسوا على قلب رجل واحد، فهناك متطرفون ومعتدلون.. متشددون ومتساهلون.. صقور وحمائم.. ذئاب ونعاج.. قطط وفئران!! إلا الاسلاميين البائسين فهم استثناء من بني البشر جاءوا الى الدنيا كأسنان المشط في التخلف والظلامية والارهاب، ولا يلدون الا متشددا مُكفّراتيا!!!

ترحيب ليبراليينا العرب بالانتصار الاسلامي في تركيا، او بالأحرى انصافهم لهذا الحزب التركي المكافح، حري بالاشادة والتشجيع حتى اعتبره الكثير بارقة أمل لمصالحة مماثلة مع الاسلاميين العرب بعد ان عانوا ردحا من الزمن من فجور في الخصومة واسراف في العداوة، وبعد ان مورست في التصارع معهم الكثير من المحظورات، وتبادل بعض الليبراليين معهم اللكمات فلم يلتزموا بقوانين الملاكمة الفكرية فأكثروا من الضرب تحت الحزام، وبادلهم الاسلاميون نفس الاسلوب، إلا ان الفرق ان الليبراليين يملكون (قفازات) محشوة بفولاذ النفوذ وحديد التسلط!!

يبدو بعض الليبراليين العرب في منتهى الموضوعية والهدوء حين لا يكون الموضوع متعلقا بالاسلاميين.. فلا تملك، حين يحلل او ينظر او يناقش، إلا ان تقول: ما اعقله!! ما احكمه!! ما احزمه!! وحين يتحول الحديث الى الاسلاميين تتحول النبرة الى زمجرة والصوت الهادئ الى فحيح، فتظهر الكلمات المتشنجة والعبارات المتوترة والافكار المضطربة، فتقول حينها: ما اسخفه!! ما اغباه!! ما أتعسه!! وليس في قلبه ذرة من انصاف!! تماما مثل بعض بني البشر المصابين بنوع من الحساسية تجاه بعض الاطعمة ولدى بعض ليبراليينا العرب حساسية مفرطة تجاه بعض الافكار الاسلامية، فلا يستسيغها ولا يتحملها!!

لا بد ان يعلم اعزاؤنا الليبراليون ان الاسلاميين ـ واعني بهم كل من اهتم بالشأن الاسلامي من علماء (حكوميين ومستقلين) او مفكرين او دعاة او مثقفين او جماعات، ومن الظلم حصر هذا اللفظ في احزاب وتوجهات معينة ـ هم مثل بقية المسلمين، منهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات بإذن ربهم. وبين اللون الطالباني ولون حزب العدالة التركي الذي بهرهم انتصاره يوجد عشرات، بل مئات الألوان والمهم هو توفر الاستعداد لرؤيتها!!.