هزيمة صدام .. وخطط رامسفيلد

TT

بدأت الحرب الاميركية لاطاحة نظام الرئيس صدام حسين بمسلسل من التقارير الصحافية التي ترسم الخطط الحربية الاستراتيجية. وفي العادة تواجَه مثل هذه التسريبات بالصراخ الشاجب من البنتاغون، وباتهام الاعلام بخيانة الجيش بافشاء اسرارنا. ولكن الامور بدت مختلفة هذه المرة، فالبنتاغون اراد نشر ملخصات لخططنا الحربية. انها بداية لحرب نفسية لاقناع العراقيين، وطمأنة حلفائنا بأننا جادون، وفي طريقنا للنصر.

كان التسريب عملية مقصودة هدفها الوصول الى قادة الجيش وبيروقراطيي حزب البعث، واقناعهم بعدم اعطاء اوامر باستعمال اسلحة الدمار الشامل، ونصحهم بالتكاسل في الحرب والابتعاد عن المواجهة في اول فرصة، وجعلهم يخافوننا اكثر من خوفهم من صدام حسين، بالاضافة الى طمأنة الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال، والمنشقين في وسط العراق، بأننا نريد انهاء المهمة هذه المرة. لقد تخلينا عن وعودنا في السابق تجاه الاقليات في العراق بعدما هبوا ضد النظام اثر حرب عاصفة الصحراء، ولهذا نحتاج الان الى تقديم ضمانات اقوى اذا اردنا لهؤلاء اداء دور اكثر من القنوط والانتظار في الحملة القادمة. ان السيناريو المثالي يعني ان تترافد المجموعات المحلية لدعمنا، وان ينحاز قادة الجيش الينا كحلفاء ويقاتلون ضد انصار الرئيس العراقي. ولكن للاسف لا يوجد خلف هذه الامنيات سوى خطة قديمة ترجع الى عهد الرئيس بيل كلينتون. فبدل استعمال قوانا الهائلة وكل ما يتوفر لدينا ـ ما عدا السلاح النووي ـ في الحرب منذ اللحظة الاولى، ستبدأ العمليات بمحاولة عبثية لاثبات ان سلاح الجو لوحده يمكنه كسب حروب كبرى، رغم ان ذلك لم يحصل حتى الآن، ولن يحصل قريبا».

ان دور المجموعات القتالية الصغيرة في ساحة المعارك سيكون لدعم رجال الجيش، اما مشاة البحرية فسيحتلون مواقع لتسهيل الحرب من الجو وللسيطرة على مراكز الامداد، ودعم عمليات نشر قوات اضافية اذا تطلب الامر. السر في هذه الخطط، غير السرية، ان اصحاب القرار يأملون في انهيار نظام صدام. ربما يتم ذلك، لكن الجندي الحكيم لا يذهب للحرب متسلحاً بالآمال فقط.

في الحرب لا يمكنك الاعتماد على تجاوب الخصم مع تطلعاتك. ولو تفحص أي خبير من هيئة الاركان ما نشر عن الخطط الحربية، فسوف يلاحظ عدة مآخذ عليها وعدة مشاكل فيها، مثل:

اولاً، هذه ليست خطتنا الطوعية او المثالية، بل خطة فرضها علينا رفض المملكة العربية السعودية استعمال اراضيها. لقد اكد الرئيس بوش مراراً على الصداقة الاميركية السعودية، لكن المملكة رفضت ان نستعمل القاعدة العسكرية الحديثة لديها، فسارعنا لبناء قواعد في اماكن اخرى. لقد رفضت السعودية السماح لقواتنا باستخدام اراضيها للقضاء على حكم صدام، اي ان خططنا تنقصها الارض وكان علينا التفكير في المساحات الضيقة المتاحة في مناطق اخرى في الخليج.

ثانياً، حسب تقارير من مطلعين على الوضع، فإن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يبحث عن مبررات لتخفيض دور القوات البرية في هذه الحرب. ولاسباب غير واضحة، يصر رامسفيلد على اظهار الجيش كشيء لا ضرورة له، وهذا يدعم اهداف الوزير الخاصة في اظهار تفوق التقنية الحديثة، والحد من دور القوات البرية، لكن هذه الرؤية تضعف قدراتنا وتحرمنا من الليونة المطلوبة.

ثالثاً، تكتيك شريط الامداد المتواصل، والذي يعني استمرار ارسال القوات بشكل متزايد الى ساحات الحرب وصولاً لما يكفي من القوات والمعدات، هذا التكتيك يتوقع ان كل شيء سيسير على ما يرام حسب رؤيتنا، وان خط الامداد لن ينقطع، لكن في المقابل، فإن ارسال العدد الاكبر من القوات ومنذ البداية الى ساحة الحرب بالتناسق مع المساحة الجغرافية المتاحة، هو الاسلوب الآمن والافضل لنا. اذا انحرفت خطة رامسفيلد المنسقة، فلن يكون لدينا الاحتياطي الفوري ليتدخل ويعدّل النتيجة، وهذا سيؤدي الى التالي:

ـ المجتمع الدولي سيبدأ بالصراخ مطالبا بوقف اطلاق النار.

ـ المستشارون السياسيون للرئيس سيضطربون ويسرعون في البحث عن سبل الحد من الخسائر.

ـ الكونجرس سيبدأ على الفور توزيع الاتهامات والبحث عمن خسر الحرب حتى قبل خسارة الحرب بالفعل.

ـ الحرب التي كان من السهل على الولايات المتحدة كسبها، ستنقلب الى شلل مخجل.

المفروض ان الجيوش تذهب للحرب لتنتصر. وكلما تعقدت الخطة زادت احتمالات التعثر والصعاب. وكلما انخفضت القوات والقدرات المخصصة، زادت الحاجة للأكثر. ان لدينا ما نحتاجة لنصر سريع وكبير، فما هي الاسباب التي تجبرنا على اعتماد هجوم بطيء رحيم يوفر لخصومنا الوقت والظروف لترتيب انفسهم للحرب؟

الواقع اننا اذا استعملنا كامل قدراتنا، فإن القوات العراقية سينتهي امرها في ثلاثة او اربعة ايام. بدل ذلك يبدو اننا نخطط لحرب سوف تستغرق، في احسن الظروف، ثلاثة او اربعة اسابيع من المعارك المتصاعدة، والتي يمكن ان تمتد لفترات اطول. بكلمات اخرى، لا يبدو اننا ذاهبون للحرب وفق خطة الضربة القاضية من الجولة الاولى رغم قدرتنا على فعل ذلك. ان الحرب ليست منطقة اختبارات لنظرية وزير الحرب المحببة، لقد جربنا ذلك في فيتنام. في الحرب عليك الضغط بكل ما لديك، اما اذا اردت الحرب بثمن رخيص، فعلى الاغلب انك ستحصل على ما دفعت ثمنه!

* ضابط اميركي متقاعد، ومؤلف كتاب «ما بعد الارهاب .. الاستراتيجية في عالم متغير» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط» ـ خدمة «واشنطن بوست»