لا حل إلا بالقوة!

TT

لا بصيص ضوء لا في نهاية النفق ولا في بدايته، فرئيس الوزراء الاسرائيلي ألقى بظله الثقيل على الوضع ودمر كل شيء وباتت الصورة سوداوية ومأساوية ولم تعد هناك إمكانية للخروج من المأزق الراهن إلا بحصول معجزة، والمعجزة الوحيدة التي من الممكن ان تحدث هي ان تسارع الولايات المتحدة الى فرض الحل الذي تتحدث عنه والذي ينص على قيام الدولة الفلسطينية المنشودة في عام 2005 بالقوة.

لا يمكن تغيير قناعات شارون واليمين الاسرائيلي، الذي بات يهيمن على الحياة السياسية في اسرائيل، بالمداهنة والملاطفة والاستجداء، والولايات المتحدة تعرف وتعلم ان شارون يضرب بسيفها وانه لولا دعمها ومساندتها لا يستطيع ان يتحدى العالم بهذه الطريقة الفجة وبهذا الاسلوب الذي لم يتبعه الا طغاة التاريخ الذين لا يضعون في الاعتبار إلا أمراً واحداً ووحيداً وهو القوة العسكرية المدمرة والمنفلتة من كل عقال.

إذا أرادت الولايات المتحدة ان لا تبقى هذه الصورة البشعة هي صورتها في المنطقة فعليها ان تضع حدا لهذه السياسات المدمرة التي ينفذها شارون، وعليها ان تفرض الحل الذي تتبناه بالقوة سواء مباشرة أم من خلال الامم المتحدة، اما ان يبقى الجرح الراعف مفتوحا وبهذه الطريقة فإن العداء لها سيستمر وان قدرتها على معالجة الازمات الاخرى وفي مقدمتها الازمة العراقية ستبقى قاصرة وواهنة.

أعلن شارون، وهو يواصل الاعلان، بأن اتفاقيات أوسلو لم تعد قائمة، وأنه قبل اي حل مصمم على فرض الهزيمة على الشعب الفلسطيني وتحطيم ارادته، وان الحل الذي في ذهنه ويسعى لتطبيقه بالقوة، هو استسلام الفلسطينيين استسلاما كاملا. وهذا غير ممكن على الاطلاق، فالشعب الفلسطيني راسخ الاقدام في ارضه وشديد الايمان بعدالة قضيته ولديه قدرة خارقة على التحدي وتقديم المزيد والمزيد من التضحيات. ولهذا فإن العنف سيستمر الى ان يغلب الدم السيف ويتوفر الحل العادل حتى وان كانت هذه العدالة ناقصة.

لا شارون ولا اليمين الاسرائيلي عموما، بما في ذلك بنيامين نتنياهو، لديه الاستعداد للاصغاء الى لغة العقل والمنطق. ولا الفلسطينيون قادرون على ابتلاع الاهانات وتحمل ممارسات لا يمكن ان يتحملها بشر، ولذلك فإن الحل الوحيد هو الحل المفروض بالقوة سواء كانت هذه القوة أميركية أو من خلال الامم المتحدة وعلى غرار ما جرى في البلقان وفي مناطق كثيرة في العالم.

ستبقى حجة «العقلاء» بالنسبة للفلسطينيين ضعيفة وبلا أي تأثير، وستبقى العمليات «الانتحارية» هي الوسيلة للرد على بطش الجيش الاسرائيلي ما لم يشعر الفلسطينيون بأن هناك أملا وان في نهاية النفق بصيصا من النور وما لم يتغير شارون بأفضل منه وما لم يذعن الاسرائيليون للارادة الدولية وينفذوا القرارات الدولية وينسحبوا من الاراضي المحتلة ويتوقفوا عن الاستمرار في بناء المستوطنات ويسلموا بحق الشعب الفلسطيني بأن يقرر مصيره بنفسه وان يقيم دولته التي يتحدث عنها الاميركيون ويؤيد قيامها العالم.

ستبقى دوامة العنف متواصلة ومتصاعدة ما دامت الولايات المتحدة تقف هذا الموقف المائع والمهادن والمشجع لليمين الاسرائيلي بادارة ظهره لعملية السلام، وعلى الولايات المتحدة ان تعرف، وأغلب الظن انها تعرف، ان الذي اضعف معسكر السلام الفلسطيني وأوصله الى هذا الوضع هو شارون. فرئيس الوزراء الاسرائيلي يعتقد بأن العمليات «الانتحارية» هي التي تبقيه في مواقع الحكم، ولذلك فإنه مستمر في اضعاف عرفات وكل التيار الفلسطيني الذي يؤيد اتفاقيات أوسلو ويقبل بالسلام وبالمساومة التاريخية على حقوق لم يكن يقبل بالتنازل عن أي جزء منها في السابق.

اضعاف عرفات وتدمير السلطة الوطنية باجهزتها ومؤسساتها كان ولا يزال هدفه قطع الطريق على اقامة الدولة الفلسطينية، واضعاف عرفات والسلطة الوطنية بهذه الطريقة اراده شارون ليقول للمطالبين بالدولة الفلسطينية ومن بينهم الولايات المتحدة بأنه لا يجد محاورا على الجانب الفلسطيني وان الفلسطينيين «ارهابيون» وقتلة اطفال وهذه لعبة واضحة ومكشوفة ويعرفها الاميركيون تمام المعرفة، ولذلك فإن هم ارادوا فعلا ان لا تكون صورتهم بهذه البشاعة في المنطقة فإن عليهم ان يفرضوا حلهم الفلسطيني بالقوة على كل الاطراف.