توم وجيري.. التنفير والكراهية

TT

سمعت قبل ايام من يروي ان ابنه عاد من المدرسة حزينا. واذ استوضح الأب الأمر، علم ان معلما في المدرسة وجه الى الصبي لوما احزنه. لماذا؟ هل لأنه لم يكن منتبها خلال الدرس؟ أو ربما لأنه لم يحضّر واجبه المدرسي؟ أم لعله شاغب فألحق اذى بتلميذ آخر؟ كلا. ليس للسبب صلة بالمدرسة ولا بالمعلم. السبب هو ان تلميذ الصف السادس الابتدائي ابلغ معلمه انه مسافر مع اسرته الى بلد غربي سيقضون فيه اجازة العيد. استفظع المعلم ان اسرة مسلمة ستغادر بلدا مسلما الى آخر غير مسلم في شهر رمضان، واذ عبّر عن استفظاعه باللوم والتوبيخ، فانه ادخل في روع الصبي انه واسرته يرتكبون اثما، فخاف وحزن. وكيف لا يدخل في روع الصبي ان في هذا السفر «اثما» وعقلية المعلم تخاطب عقل التلميذ بلغة تخوّف حتى بعض الكبار: كيف تسافرون في شهر رمضان الى ديار الكفار؟

هذه هي عقلية التنفير. او لنقل ان هذا واحد من امثلتها الخطرة. ما حدث في نيجيريا مثال آخر. فها هم الغوغاء يضيّعون الحق في الرد على الأذى من خلال سوء اعمال وتصرفات هي نتاج عقلية منفرة. لقد كان من شأن احتجاج سلمي على الكلام المستفز الذي نشرته صحيفة «ذس داي» ان يؤدي الغرض. هذا اذا كان الهدف هو فقط الرد على الاستفزاز والاساءة. والواقع ان هذا الغرض تحقق، حين قبل المجلس الاسلامي الاعلى في نيجيريا اعتذارا قوي العبارة نشرته الصحيفة في الصفحة الاولى من عددين متتاليين، واعترفت فيه ان ما نشر تضمن عبارات جارحة لمشاعر المسلمين. هكذا كان يجب ان ينتهي الامر... وهنا، عند تلك النقطة. لكن عقلية التنفير، وهي المستفزة اصلا لأن لاجوس كانت تستضيف «ملكات» جمال من مشارق الارض ومغاربها، هذه العقلية لا ترضى بغير التخريب والهدم، فانطلقت تمارس ما يشبع رغباتها، بعدما استفزت عدوانية اصحابها واستنهضت عضلاتهم.

ومثل عقلية المعلم الذي يروّع عقل الصبي وقلبه بأنه ذاهب الى «بلاد الكفار»... راحت عقلية التنفير في نيجيريا تعتبر النيجيريين من غير المسلمين هدفها «الكافر»، فتعرضت لمعابدهم، بينما المسلم ليس فقط مطالبا بألا يؤذي دور العبادة، بل ان يحترمها ايضا، وكانت النتيجة احراق كنائس وتدمير مساجد، وكان ان أزهق فعل الشر ارواح مسلمين ومسيحيين في شهر خير يصوم فيه المسلمون ليس فقط عن الطعام والشراب، بل ايضا عن أذى اللسان واليد، ويصوم فيه ايضا مسيحيون هنا وهناك في هذا العالم، ونيجيريا منه، ليس فقط لمجرد احترام مشاعر المسلمين الذين يعيشون بينهم، بل لأنهم يحبون الله وانبياءه جميعهم، لا يفرقون بينهم.

لكن، ألا ترون ان المشكلة، أو لنقل ان جانبا كبيرا منها، هو هنا تحديدا؟

نعم، فعقلية التنفير هذه تنفر اساسا من تفهم الآخر والتحاور معه، ناهيك من ان تحترمه وتودّه. خذ مثلا «رجل دين» يهوديا مثل يوسف عوفاديا الذي يحكه لسانه اذا صمت طويلا عن الحاق الأذى بالعرب. وانظر الى «رجال دين» اميركيين مثل فرانكلين غراهام، أو بات روبرتسون، وجيري فالويل، انهم يحملون عقلية تنفر من كل مؤمن بغير ما يؤمنون به، وتستفز على دينهم وبلدهم كل من يستفزونهم في دينهم من الاخرين، وخصوصا المسلمين.

من معلم المدرسة الذي يلوم اسرة مسلمة بسبب سفرها الى بلد غربي في شهر رمضان، الى ما حدث في نيجيريا وحدث من قبله ويحدث في باكستان والهند، الى ما نسمعه ونقرأه ونشاهده في اميركا واوروبا منذ كارثة البرجين... تبدو عقلية التنفير في حالة تمدد وانتشار. واذا كان في اميركا جيري فالويل، ففي غيرها اكثر من «توم» جاهز ومستنفر، والنتيجة ان مخالب الكراهية والرفض، تنجح اكثر واكثر في الاجهاز على جسور المودة والتعايش. لكن هذا التمدد لعقلية التنفير تسهم فيه احيانا عقول تصر على التعامل مع الانبياء كما لو انهم نجوم فن ورياضة. هؤلاء ينسون انه حتى التعرض لنجوم السينما والغناء والرياضة يغضب معظم عشاقهم واحيانا يستفز بعضهم الى درجة الجنون. ان بين عشاق ألفيس برسلي، مثلا، من لا تضمن كيف سيكون رد فعله اذا قلت له ـ لها، ان الرجل مات منذ زمن، فما بالك اذا شككت في «عظمته».

توم وجيري التنفير والكراهية جاهزان دائما، حبذا لو لم نساعدهما على مزيد من الانتشار.