دور الأحزاب السياسية في التغيير

TT

بعض التغييرات السياسية التي حدثت في اطار بعض الأحزاب خلال الفترة الأخيرة تستلفت النظر وتستحق الاهتمام، لأنها تعبر عن فكر جديد متطلع الى بعث الحيوية وملاحقة العصر. وقد بدت مظاهرها في أحزاب مختلفة سواء في الحكم أو في المعارضة وتنوعت حسب ظروف الدول التي ظهرت فيها.

ونقف عند ثلاثة أحزاب عقدت مؤتمراتها خلال هذا الشهر هي حزب العمل الاسرائيلي، والحزب الشيوعي الصيني، والحزب الوطني الديمقراطي في مصر.

في اسرائيل كان هناك تغيير هام، ليس في الحزب الحاكم، ولكن في حزب العمل الذي تحول الى المعارضة بعد استقالة وزرائه قبل أيام من وزارة تحالف الليكود، والذي أسفر مؤتمره الذي عقد يوم 19 نوفمبر عن سقوط بنيامين بن اليعازر وانتخاب الجنرال عيرام ميتسناع رئيس بلدية حيفا سكرتيرا عاما للحزب. وهو تغيير يستحق الاهتمام لأنه يضع على السطح أفكاره التي طرحها في المؤتمر والتي تقضي بالموافقة على اقامة دولة فلسطينية، وتقليص المستوطنات الاسرائيلية في الأرض الفلسطينية، واقامة علاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية لإحياء عملية التسوية السلمية.

ويعتبر انتصار ميتسناع في هذه الظروف التي أسفر فيها ارييل شارون عن سياسته التوسعية التي أعادت احتلال مدن الضفة وواصلت ضرب وحصار المدن الفلسطينية وقتل واعتقال العشرات كل يوم، يعتبر نقطة تحول هامة في قيادة حزب العمل يجب مساعدتها بكل الوسائل الممكنة لاتاحة فرصة أفضل للسلام.

ولم يتردد بنيامين بن اليعازر من القول إبان حزب العمل يقترب ببرنامج ميتسناع من حركة «ميريتس» نصيرة السلام، والحقيقة ان حزب العمل كان قد اقترب خلال السنوات الماضية من اليمين والليكود الى درجة أفقدته هويته، وجعلته أبعد ما يكون عن اليسار وعن السلام، والفرصة اليوم أصبحت متاحة أمامه للعودة الى موقعه التاريخي الذي ارتبطت به الجماهير ووصلت به الى مقاعد الحكم لسنوات طويلة.

ومع ذلك فالأمر ليس سهلا بعد التغيرات التي حدثت في المجتمع الاسرائيلي وأثرت على المواطنين فيه، الا اذا تكاتفت عدة عوامل تدعم ميتسناع في تحقيق رؤيته الجديدة، ويأتي في مقدمتها ضرورة تعاون جميع القوى والتنظيمات العربية داخل اسرائيل مع حزب العمل للسعي الى نجاح أكبر عدد ممكن من مرشحي حزب العمل ومرشحي الأحزاب والتنظيمات العربية داخل اسرائيل. وضرورة اتخاذ القيادة الجديدة حزب العمل أسلوبا أكثر وضوحا في الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، والسعي لاقرار سلام شامل في المنطقة مع سورية ولبنان، واستعادة الخطوات التي مضى فيها اسحق رابين في طريق السلام، وأدت الى اغتياله من أجل المتطرفين الدينيين الاسرائيليين.

وهكذا يمكن ان تؤثر التغييرات التي حدثت في حزب العمل في الحياة السياسية داخل اسرائيل وخارجها.

وننتقل من منطقة الشرق الأوسط الى الصين، ولا شك ان القرارات التي صدرت عن المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد هذا الشهر كانت أكثر هذه التغييرات جذبا للاهتمام، لأنها تمت بأسلوب هادئ رغم انها أدت الى ابعاد شخصيات قيادية مؤثرة عن قمة السلطة لأنها تجاوزت السبعين من العمر مثل جيانج زمين السكرتير العام للحزب الشيوعي الذي بلغ 76 عاما من عمره والذي حل محله نائبه «هيوجينتاو» وغيره من اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي.

ولا شك أن هذه الرؤية للعمر صحيحة من الوجهة النظرية، وهي تسقط نهائيا فكرة البقاء في الحكم حتى الموت، وتسبق الصين الدول الأخرى التي تعتمد فكرة التعددية، وتحديد مدة البقاء في الحكم، ولكن من دون تحديد سنوات العمر.

هذا القرار يعبر عن الحكمة التي يهتدي بها شعب الصين والتي ظهرت في حياته السياسية بعد التحرر من القوات اليابانية المستعمرة ووصول الحزب الشيوعي الصيني الى الحكم تحت قيادة ماوتسي تونج فقد اختار الحزب ايديولوجية خاصة مختلفة عن الحزب الشيوعي السوفياتي الذي حاول أن يجعل من نفسه محورا تدور حوله كل الاحزاب الشيوعية الأخرى، وقد أدى موقف الحزب الشيوعي الصيني الحريص على استقلاليته الى خلافات بين موسكو وبكين، وأدت الى انسحاب الصين من منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي في بداية الستينيات، وتشكيل لجنة للصداقة مع شعوب العالم بدلا من لجنة التضامن.

وعندما توفى ماوتسي تونج حاول البعض اعضاء القيادة الاستمرار في الاسلوب القديم الذي صاحب «الثورة الثقافية» التي حاولت فرض السيطرة بالقوة بعد أن أطاحت بكثير من المعتقدات. ولكن حيوية الحزب حاصرت هؤلاء الذين أطلقت عليهم اسم عصابة الأربعة وكانت من بينهم أرملة ماوتسي تونج، وأنطلق الحزب تحت قيادة «دنج شياوينج» الذي كان مطاردا الى واقع جديد أكثر انفتاحا على العالم، وأكثر مرونة في تطبيق الاشتراكية.

ولم تقتصر قرارات المؤتمر السادس عشر على تحديد السن الأقصى لاعضاء القيادة، وانما سمحت لأول مرة للرأسماليين بأن يدخلوا الى صفوف الحزب التي كانت قاصرة فقط على الطبقة العاملة والفلاحين، وهو تطور كان منتظرا وطبيعيا بعد أن فتحت الأبواب والفرص أمام رجال الصناعة والاعمال لممارسة نشاطهم، والذين لوحظ تواجدهم في جميع الوفود الصينية.

وهكذا يمكن القول ان الحزب الشيوعي الصيني قد استطاع بحيويته الداخلية، وآيديولوجية السياسية، ورؤيته المستقبلية أن يطور من دستوره بما يسمح لاجيال جديدة بالعطاء، وان يجعل الحزب مفتوحا لجميع أبناء الشعب.

وأخيرا نأتي الى مصر التي حاول الحزب الوطني الديمقراطي خلال مؤتمره الثامن أن يتخذ قرارات تحقق فكرا جديدا في السياسة المصرية، ورغم وضوح النية وظهور الرغبة في تحقيق ذلك، الا ان مؤتمر الحزب لم يتخذ خطوات تؤدي الى تغيير نهجه وأسلوبه بطريقة مقنعة، فقد بقيت جميع القيادات القديمة في مواقعها من دون انتخاب حقيقي، ولم يتعرض المؤتمر لتعديل الدستور الذي صدر عام 1971 رغم كل المتغيرات التي حدثت في السياسة الدولية الاقليمية، وهو الأمر الذي أدى الى تجمع احزاب المعارضة الرئيسية، الوفد والتجمع والناصري في لجنة مشتركة للدفاع عن الديمقراطية التي اجتمعت هذا الاسبوع وطالبت بالغاء قانون الاحزاب وانهاء حالة الطوارئ والأخذ بنظام الجمهورية النيابية وتعديل نظام انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه ليصبح بالاقتراع الحر المباشر بين أكثر من مرشح مع تحديد مدة الرئاسة.

وهكذا تتبلور أفكار حزبية جديدة يمكن ان تؤدي الى تغييرات جادة في الحياة السياسية المصرية.

والأحزاب في كل الدول لها الدور الرئيسي في تحديد معالم النظام وفي تخطيط طريق المستقبل.