إيران مضطربة أمام احتمالات ضرب العراق

TT

ليس دفاعا عن موقف ايران الخاص حول شكل التعامل مع الملف العراقي، ولا عن سياستها الخارجية والتي فيها ومن حولها الكثير مما يستحق النقد والتعديل والتجريح، ولكن من باب شرح خصوصية الموقف الايراني في ما يخص العدوان المتوقع على العراق اقول: ان الحاكمين الفعليين لايران التزموا، منذ ان قامت وانتصرت ثورتهم في عام 1979، بثلاث مقولات اساسية كانت السبب في قيامهم ضد العهد البائد وهي:

مقاومة الاستعمار المتمثل بالشيطان الاكبر الامريكي، ومقاومة الاستبداد المتمثل بحكم طاغية العهد الشاهنشاهي، ومقاومة فكرة التبعية لغير المصالح الوطنية العليا للشعب الايراني.

وقد جاء عنوان النظام السياسي، الذي تبلور عقب انتصار الثورة ليمثل خلاصة مكثفة لتلك المقولات الثلاث، وذلك في اسم البلاد الجديد اي «الجمهورية الاسلامية الايرانية».

الآن وفي ظل ما يجري حول العراق وما يعد لهذه المنطقة من العالم من مخططات هيمنة استعمارية وكوارث وحروب، فإن ايران التي نحن بصدد تقييم موقفها تجد نفسها في الواقع امام مثلث اختبار جديد يتعلق بأحد جيرانها المقربين والذي تربطها به علاقات تاريخية متشابكة مثيرة لكل انواع الجدل، كما لكل انواع التحفظات، وهو العراق. واضلاع هذا المثلث هي: مستقبل «النفوذ الامريكي» في المنطقة ومدى نفوذها، ومستقبل «الديكتاتور والطاغية» صدام حسين، والذي تقول واشنطن انه الخطر الاكثر الحاحا وتجب ازالته اولا، والضلع الثالث، وهو الاهم مستقبل الشعب العراقي كيانا ووطنا ومقدرات.

كانت طهران شاهدة على جرحين لا تزال آثارهما لم تندمل بعد، الاول بسبب التدخل الامريكي المفتوح على ايران منذ اسقاط حكومة محمد مصدق الوطنية عام 1953، والذي لم تتم تسوية تداعياته حتى اللحظة التاريخية الراهنة، والثاني، وهو بسبب الحرب المجنونة والعبثية التي فتحها النظام العراقي ضدها ودامت نحو ثماني سنوات والتي لم تتم تسوية تداعياتها حتى اليوم ايضا، وجرح ثالث لا يقل اهمية وخطورة لمست طهران بعض تمظهراته على حدودها وفي داخلها من خلال معاناة الملايين من الشعب العراقي من الحرب وما قبلها وما بعدها، والمرشح ان تشهده ايران ومعها العالم كله مع اندلاع الحرب المرتقبة على العراق. لهذا كله فإن طهران النظام الاسلامي بحكامه الراهنين تجد نفسها في احرج اوقاتها واشدها حيرة وتلكؤا، وذلك للأسباب التالية:

اولا: انها لا تريد، وان ارادت لا تستطيع ان تبرر اي مواكبة للهجوم الامريكي على العراق، وذلك لأن الامريكي مخادع ومحتال، فهو يريد العراق كله ولا يريد رأس صدام حسين فقط، ناهيك من انه يريد مقدرات المنطقة كلها.

ثانيا: انها لا تريد وان ارادت لا تستطيع ان تبرر خوض اي مغامرة غير محسوبة لنظام اوغل عميقا في جراح الايرانيين ولم يبق صديق واحد في العالم قادر على الدفاع عنه، ولا احد يعرف في العالم كله متى يتراجع ومتى يتقدم ومتى يساوم ومتى يبيع او يشتري ولحساب من؟

ثالثا: انها لا تريد، وان ارادت لا تستطيع ان تبرر لا لشعبها ولا لشعب العراق ولا للتاريخ بأن تقف مكتوفة الايدي امام ما يقال بأن لحظة خلاص الشعب العراقي قد حانت او تكاد، سواء على يد معارضيه، او الاجنبي! او الحاكم الفعلي! فهي تشعر اولا، بواجبها تجاه الشعب الشقيق مبدئيا وبالدين، وواجبها الاخلاقي والمسؤولية المتوجبة عليها تجاه هذا الشعب عرفيا.

وهنا بالذات، يظهر اضطراب الموقف الايراني وتمايزه عن غيره من المواقف الاقليمية والدولية واختلافه تماما. فطهران لا تستطيع، مثل سائر عواصم العالم، ان تتحرر بسهولة مما الزمت به نفسها اولا، وما جرى عليها، اولها من جانب اضلاع مثلث الازمة العراقية اي امريكا وصدام حسين والشعب العراقي.

لذلك كله تراها تقول مرة بأنها ضد العدوان على العراق، وهي تقصد بأنها لا تريد الاذى لكيان العراق كيانا ووطنا وشعبا. وتقول مرة بأنها تقف على الحياد، وتقصد بأنها على الحياد بين جورج بوش وصدام حسين. ومرة ثالثة تقول بأنها تتخذ موقف الحياد الايجابي تجاه ملف العراق، وتقصد بأنه اذا ما جرح «الشيطان الاكبر» وبدأ ينزف، فانها لا شك لن تألو جهدا في رؤيته ينزف اكثر حتى يعجل في رحيله من المنطقة، حتى لو جاء ذلك على يد خصومها. اما اذا ما جرح وبدأ يتهاوى نظام صدام حسين، فإنها لن تذرف الدموع عليه، لكنها ستعمل كل جهدها بأن لا ينعكس ذلك بالسوء على شعب العراق. واذا ما طال أمد المعارك وانتقلت تداعياتها الى خارج حدود العراق، فإنها سوف لن تقف مكتوفة الايدي تتفرج، بل ستدخل على الخط مدافعة عن مصالحها العليا اولا، ومصالح جيرانها شعوبا في المرحلة الاولى وانظمة في المرحلة الثانية، وعن هذا او ذاك من حلفائها او اطراف المعادلة الاقليمية او الدولية المتداخلين في الشأن العراقي ايجابيا في المرحلة الثالثة. اي باختصار شديد: ستكون في حال اندلاع المعارك اشبه بموقف «كل يوم في شأن».

هذا الافق غير المنظور لميدان النزاع حول مستقبل العراق والذي ساهمت حكومة النظام العراقي في تدويله اولا، وكرسته المعارضة العراقية العاجزة والمريضة بالاجمال ثانيا، وتلقفته الادارة الامريكية بعد حوادث 11 سبتمبر ثالثا، هو الذي جعل من طهران غير قادرة على اتخاذ موقف واضح وعلني ونهائي لصالح احد طرفي الاستقطاب الظاهري المبرز على شاشة المشهد الدولي اليوم، خاصة انها تعتبر هذا الاستقطاب نوعا من الحيلة والخداع الذي يحاول الطرفان، اي الادارة الامريكية ونظام بغداد، فرضه على العالم من جهة، كما ان المعارضة العراقية لم تتمكن من طرح نفسها طرفا ثالثا مستقلا يمكن ان يحسب له العالم المحيط بالعراق حسابا يذكر.

اذن امريكا غير راضية، ونظام بغداد كذلك، وايضا المعارضة العراقية، يبقى الشعب العراقي، وهو الطرف الاكثر تضررا من كل ما يجري حول بلاده، فإنه لا احد يعرف موقفه الواضح تجاه الاطراف الاقليمية والدولية، ما لم يظهر ما يثبت عكس ذلك في ساحة الوغى.