الشعراء في إخوانياتهم

TT

تميزت مملكة البحرين من بين كل الدول الخليجية بتفتحها وتسامحها منذ عصور عريقة في القدم. التقيت بمثال آخر من ذلك في المساجلات الشعرية التي وجدتها في ديوان ابي البحر الشيخ جعفر الخطي (من منشورات مؤسسة البابطين). جرى الكثير من ذلك بين هذا العالم والشاعر والقاضي الورع وبين الشريف العلامة ماجد بن هاشم. لفتت نظره غادة حسناء فقال فيها:

حسّنت غيه له وفساده واستباحت صلاحه ورشاده

وأتاحت له الشقاوة خودسميت وهي كاسمها (بسعادة)

ذات وجه أهدى سناه إلى البد ر وفرع اعدى الظلام سواده

وثنايا كأنها في انتظام ما على صفح جيدها من قلاده

لم تناغ العشرين عمرا ولم تر ضع جنينا وما درت ما الولاده

لا ادري ما اذا كان الشيخ قد وقع في هواها فعلا ام كان مقاله مقال الحبوبي عندما قال «عفة النفس وقبح الألسن». اترك ذلك للمؤرخين الأفاضل وما اظنهم اقل كذبا وافتراء من الشعراء العرب، او من الساسة العرب. ولكن الشريف ماجد بن هاشم قرأ ما كتبه صاحبه فأجازه قائلا على نفس الروي والوزن:

ملكت يوم ودعته قيادهواستباحت اخرى الليالي فؤاده

أبرزت وجهها الذي لو رأى اللهمزيدا على سناه لزاده

وأدارت لواحظا لو رآهافارس في السلاح اعطى مقاده

ثم دلت على التجلد قلباشب فيه الهوى وأورى زناده

أنا يا هذه جليد ولكنفؤادا ترمين يأبى الجلاده

ومشت الأيام بهذا الحب العذري او الوهم الشاعري فالتقى ابو البحر بصديقه الشريف أبي عبد الرؤوف الحسيني. يظهر ان تلك الأشعار قد اثرت فيه وصدقها بحيث رأى في منامه تلك الغادة الحسناء على صورة احسن منها في اليقظة فأدار وجه صاحبه أبي بحر اشفاقا به لئلا يراها فيزداد عذابا ووجدا بها. سمع بذلك ماجد بن هاشم، فصاغ الحلم بهذه الأبيات على لسان أبي بحر:

رأى صاحبي في النوم طيفكِ سائرا

وقد زدتِ حسنا فوق ما كنت أعهد

فحاول صرفي عن طريقك خيفة

على رمقي إما رأيتك ينفد

فلم يغنه الكتمان عني ودلني

شذاك وهاد من هواك ومرشد

فأقبلتُ في منحى طريقك عاثرا

بخطوي كما يمشي الأسير المقيد

الى آخر القصيدة. قال ابو البحر انه لما اطلع عليها شكر الشريف العلامة ثم نسج على منواله فقال:

رأيتَ ولوعي بالحبيب فلم تزلتعين عليه ما استطعتَ وتسعد

فمذ عز مرئيا نصبت لطيفهلدى النوم اشراك الكرى تتصيد

فقلت أراني النوم طيفك سائراوإياي فيما تنتحيه وتقصد

وقالوا لو ان الحسن يُعبد ربهلكان لما فيه من الحسن يُعبد

محيا يريك الليل صبحا وطرة يروح لها وجه الضحى وهو اسود

ومن بارع الحسن البديع روائدتقوم لأدناها النفوس وتقعد

فألفيتني عنه لعلمك اننيمتى أره لا استطيع اتجلد

ما أسعدهم! يرون ويعشقون ويواقعون وكله في الخيال! لا كلفة ولا هدايا ولا حساب وكتاب!