حتى لا تفتح أبواب جهنم في منطقة الشرق الأوسط

TT

يستيقظ الناس هنا كل يوم، ويطالعون صحف الصباح، لمعرفة الصورة الاخيرة التي رسمها الغرب لهم لخدمة اهدافه واجندته الخاصة. وعلى مدى السنتين الاخيرتين لم يفق العرب بالشرق الاوسط من دهشتهم من تلك الصور التي ترسم لهم، ولدينهم ولنواياهم وشخصيتهم القومية. ويطل الآن احتمال شن الولايات المتحدة، مع الامم المتحدة او بدونها، حربا ضد العراق. ونسبة للغضب العربي المكتوم، ونسبة للاحباط والاهانة التي لحقت بالشعب العربي، فان مثل هذه الحرب يمكن «ان تفتح ابواب جهنم» بالنسبة للمنطقة وبالنسبة لعلاقات الغرب والشرق.

ويبدو ان اولئك الذين يتحدثون عن الحرب من مكاتبهم ومقاعدهم الوثيرة، ليست لديهم ادنى فكرة عن قوة المشاعر التي تضطرم بها صدور الناس في الشرق الاوسط. وكان العالم كله قد احس بتعاطف عميق مع ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، وبتضامن قوي مع الولايات المتحدة وشعبها. ولكن ومنذ تلك الهجمات، اتخذت قرارات جوهرية حول الشرق الاوسط على اساس «ما قيل وما يعتقد»، وقد قتل الناس هنا على اساس اتهامات بانهم ينوون عمل شيء ما. وبالنسبة لنا نحن في الشرق الاوسط، الذين عانينا من الاحتلال الاجنبي، فان الحرب والارهاب والاصولية الاسلامية، هي كلها انعكاس للنفوذ الاجنبي خلال الحرب الباردة. فالاصولية الاسلامية ظاهرة غريبة عن مجتمعات مثل المجتمع السوري المتعدد الاديان والاعراق.

وعندما كان الاصوليون يقتلون مواطنينا واطفالنا داخل المدن، ادانهم وقاتلهم مجتمعنا العلماني، ولكن الغرب كان يقول انهم مدافعون عن حقوق الانسان ويجد لهم الاعذار. فقط بعد احداث 11 سبتمبر بدأ الغرب يدعوهم بالارهابيين، ولكنه بدلا من حصر المصطلح فيهم وحدهم وسعه ليشمل كل الثقافة العربية والاسلامية.

ان الشر جزء من الطبيعة البشرية. وقد وقف ضد الشر منذ قديم الزمان كل الاخيار من اليهود والمسيحيين والمسلمين. وانه لمن صميم العنصرية ان نقول ان عرقا بعينه او دينا بعينه او امة بعينها اكثر ميلا الى العنف او التطرف. وقد انفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات لتحسين صورتها وسط العرب والمسلمين،ولكنها تخبط خبط عشواء. وليست الحملة التي شنتها من خلال وسائل الاعلام العربية، موضحة لبعض العرب والمسلمين ان قومهم وجدوا الاحترام والنجاح في الولايات المتحدة، الا تحصيلا لما هو حاصل. فالعرب يعرفون ان النظام الاميركي نظام مفتوح لكل القوميات، وان الاميركيين قوم طيبون، وان آلاف العرب نجحوا في الولايات المتحدة. اما العقبة الجوهرية التي تغلق ابواب التواصل والتفاهم بين العرب والمسلمين من جانب، وبين الاميركيين من الجانب الآخر، فهي موقف اميركا من النزاع العربي الاسرائيلي.

ظلت اسرائيل تحتل الاراضي العربية منذ 1967، وعبر العرب مرارا وتكرارا عن رغبتهم في العيش في سلام مع اسرائيل. ولكن عندما صار اريل شارون رئيسا للوزراء باسرائيل، بادر بخرق اتفاقات السلام مع الفلسطينيين وسد كل ابواب السلام مع سوريا ولبنان. وتوقع العرب ان تقف الولايات المتحدة بحزم في صف عملية السلام، لا ان تمد شارون بالمال والسلاح للاستمرار في السياسات التي بدأها عندما كان وزيرا للدفاع عام .1982 وكان شارون هو المسؤول عن تخطيط وتنفيذ غزو لبنان وادين بارتكاب مجزرة معسكري صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. وصرح شارون واعضاء حكومته مرات عديدة بانهم سيجبرون الفلسطينيين على الاستسلام. وتلك سياسة لا يمكن ان تقود احدا الى أي حل او تسوية.

المطلوب حقا من الولايات المتحدة حاليا هو ان تتحلى بقدر كبير من السلطة الاخلاقية وان تغلق هذا المسار الدموي وتعود الى مسار السلام. ونعني السلام الحقيقي الذي ينهي الاحتلال ويضمن الحقوق لكل شعوب المنطقة. ولكن سلاما لا يقوم على العدل لا يمكن ان يصمد. ويؤمن الناس بالشرق الاوسط ان الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على ايقاف العنف. وليس مفيدا ادانة الفلسطينيين كلما مات اسرائيلي، وليس مفيدا تأييد اسرائيل ودعمها كلما ارتكبت مذبحة ضد الفلسطينييين.

والخطوة الاولى في اتجاه فك عقدة الموقف الحالي هي انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية والتوصل الى تسوية عادلة سلمية، يشعر فيه الشعبان بالامن والكرامة. ان الاهانات التي تعرض لها الفلسطينيون خلال العامين الماضيين، كفيلة باشعال نضالهم لعدة اجيال قادمة. ومن الواضح ان الشعب العربي لم يتصالح مطلقا مع الاحتلال او الاستعمار، مهما تطاولت العهود التي يحققون فيها استقلالهم. وفي هذا الوقت بالذات، فان العراق ليست اكثر من حيلة لصرف الانظار، تسمح لشارون باستعراض عضلاته واستخدام مئات الدبابات والصواريخ التي يملكها ضد الفلسطينيين العزل. وسيؤدي هذا الى اسقاط المزيد من الضحايا من الجانبين ولكنه لن يحل المشكلة، ولن يخفيها بصورة سحرية.

من واجب الولايات المتحدة ان تفكر في استراتيجية جديدة تركز على حقوق كل شعوب المنطقة في العيش في سلام ورفاه. ان سياستها يجب الا تقوم على تسليح ودعم جانب واحد ليقتل ويهين الطرف الآخر. ونقطة الانطلاق بالنسبة لمثل هذه السياسة هي ان الناس متساوون في الانسانية. فليس هناك امة متفوقة او متخلفة فقط لتوفر القوة العسكرية لديها او عدم توفر تلك القوة.

* مديرة وسائل الإعلام الأجنبية بوزارة الخارجية السورية

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»