مربط الفرس!!

TT

ما كان على الاميركيين ان يستغربوا عندما اظهرت نتائج الاستطلاع الذي اجراه مركز «بيو» ان صورة بلادهم في العالم الاسلامي، ومن ضمنه العالم العربي بالطبع، تراجعت كثيرا قياسا بما كانت عليه قبل سنتين. فالاحداث التي مرت خلال هاتين السنتين وأهمها ما جرى بالنسبة للقضية الفلسطينية اظهرت انحيازا اميركيا سافرا ليس لوجهة نظر اسرائيل، بل لوجهة نظر اليمين الاسرائيلي المتطرف ممثلا بارييل شارون وموفاز وبنيامين بن اليعيزر وباقي افراد هذه العصابة الدموية.

على مدى العقد الماضي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، الذي كان الخصم الاستراتيجي المفزع للغرب والولايات المتحدة والمعسكر الرأسمالي كله استمرت اسرائيل بالتنسيق مع مراكز النفوذ والتأثير في واشنطن ومعظم العواصم الغربية، تروج لمقولة ان الخطر الجديد المستجد هو الاسلام والاصولية الاسلامية، ولعل ما كان يجب ان يتوقف عنده الاميركيون ويتعمقوا في البحث فيه هو ان الظاهرة الـ «بن لادنية» جاءت في سياق هذا الترويج الاسرائيلي ولم تخدم الا التطلعات والمخططات الاسرائيلية.

من حق الولايات المتحدة ان يكون رد فعلها على جريمة الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بكل العنف الذي رأيناه في افغانستان وفي غيرها، لكن ما ليس من حقها هو ان تنحاز هذا الانحياز الاعمى ليس لاسرائيل وانما لليمين الاسرائيلي المتطرف وهو بدل ان تبحث عن اسباب ومسببات الظاهرة الـ «بن لادنية» وعن المستفيدين الحقيقيين منها، انها وضعت الاسلام وهذه الظاهرة الغريبة الطارئة في سلة واحدة.

لا أحد يطالب الادارة الاميركية، وأي ادارة اميركية، بأن لا تنحاز لاسرائيل طالما ان مراكز النفوذ اليهودية متفوقة على هذا النحو وتضع الرؤساء والادارات بهذه الطريقة، لكن ما يثير استغراب العرب والمسلمين ويؤدي الى كل هذا الكره لاميركا ان الانحياز اصبح لأكثر عصابات اليمين الاسرائيلي تطرفا وامعانا في تحدي المشاعر العربية والاسلامية وغلوا في ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني، المحتلة أرضه والمنتهكة سيادته والمصادرة حريته والمغلولة ارادته.

ان على الادارة الاميركية، بدل ان تذهب بعيدا في تبني سياسات اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي لا يريد سلاما والذي اغتال اسحق رابين كتعبير عن رفضه للسلام، ان تبحث عن الاسباب التي تجعل صورة الولايات المتحدة اكثر بشاعة في الدول الاكثر اعتدالا والتي كانت الاكثر عداء للمد الشيوعي والأشد مقاومة له وفي مقدمتها الاردن والمملكة العربية السعودية وتركيا وباكستان ومصر واندونيسيا.

المنغِّص الأول للعلاقات العربية ـ الاميركية وبالتالي الاسلامية ـ الاميركية هو القضية الفلسطينية ويجب ان لا تندهش الولايات المتحدة ولا تستغرب عندما تكتشف ان صورتها بكل هذه البشاعة في العالمين العربي والاسلامي، فهذا الانحياز، بل هذا الاستخذاء والانقياد لأكثر السياسات الاسرائيلية تطرفا واجراما ودموية، طبيعي ان يولد كل هذا الكره لأميركا في الاردن والمملكة العربية السعودية ومصر وباقي الدول العربية وايضا في تركيا والباكستان وايران واندونيسيا وباقي الدول الاسلامية.

وهنا، حتى نكون منصفين، فإنه علينا كعرب ومسلمين ان نتحلى بالجرأة والشجاعة وأن نعترف بأننا نتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، فنحن تركنا الساحة الاميركية خالية لمراكز النفوذ الاسرائيلية ونحن باستثناء استثناءات قليلة لم نفهم حجم الألم الذي سببته للاميركيين جريمة الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) ونحن باستثناء قلة قليلة ايضا لم نبادر الى عزل ظاهرة التطرف التي ترفع راية الاسلام، والاسلام بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

على الولايات المتحدة ان تراجع سياساتها في المنطقة مراجعة جدية وعليها ان لا تثق بان اذاعة «سوا» ستحسن صورتها في هذه المنطقة وفي العالمين العربي والاسلامي.. ان القضية الفلسطينية هي مربط الفرس وعلى الاميركيين ان يدركوا ان صورة بلادهم ستبقى بشعة على هذا النحو اذا بقوا منحازين لأكثر السياسات الاسرائيلية تطرفا حتى ولو بقيت اذاعة «سوا» تصدح بأعذب الالحان وأكثرها شبابية على مدار الساعة.