بوش والعراق والحاجة لتفكير أعمق

TT

أشعر بالقلق من حدوث شيء ما، وعليكم أيضا أن تشعروا بالقلق مثلي. وللتوضيح فأنا لست ضد الحرب في العراق، لكنني ضد شن الحرب بدون إعداد الساحة في أميركا وفي المنطقة وفي أنحاء العالم، من أجل التعامل مع الآثار التي قد تنتج عن أي غزو أميركي لذلك البلد.

على انني أرى بضعة مؤشرات على قيام الرئيس بوش بالتحضير لتلك الحرب. وقد أمكن لي التعرف بأفضل صورة على رؤية طاقم عمل بوش الكاملة بهذا الخصوص، من خلال جملة قالها صديق لي وهي: «إننا في حالة حرب ـ فلنحتفل بالمناسبة». نحن في حالة حرب ـ وعلينا أن لا نطلب من الشعب الأميركي أن يفعل شيئا شاقا.

وهذا رأي لا يمكن التمسك به الى الأبد. فنحن في حالة حرب. نحن في حالة حرب مع جماعة تمثل الجانب العنيف في الإسلام، يتزعمها تنظيم القاعدة، كما اننا في حالة حرب مع موجة متصاعدة من العداء العالمي لكل ما هو أميركي، ومن المحتمل اننا سنكون في حالة حرب لنزع أسلحة العراق في القريب العاجل. ولا يمكن أن نحقق النصر في مثل هذه النزاعات متعددة الأبعاد بدون تضحيات وبدون اسلوب تفكير جديد مختلف تماما.

بالنسبة لي، السؤال يكمن في قدرة الرئيس بوش، وقد حشد كل هذا الدعم السياسي، بتعامله الفعال مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، في الاستفادة من بعض ذلك الدعم، وفي ما اذا كان سيطلب من الأميركيين أن يقوموا بأشياء شاقة بالفعل، من أجل تحقيق النصر في معركتنا المتشعبة. وهل يتوفر لدى بوش ذلك النوع من الرؤية الذاتية للأمور؟ اذا لم يتوفر لديه ذلك، وسيعتمد فقط على وزارة الدفاع لخوض هذه الحرب ـ وعلى كارل روف للبحث عن نقاط الضعف فيها ـ فحينها لن يكون أماما سوى جني الدموع.

ماذا سيطرح الرئيس على الشعب الأميركي إزاء ما كان يعده لهذه الحرب المتشابكة؟

يمكنه أن يطرح على الشعب الأميركي ان تكلفة هذه الحرب قد تتجاوز تريليون دولار أميركي، وان على الجميع أن لا يعتقدوا بأننا سنتمكن من استخدام نفط العراق لمواجهة تلك النفقات. فوزارة خزانتنا هي التي ستدفعها، وذلك لن يعني فقط إحداث تعديلات في طاقم العمل المسؤول عن الاقتصاد الأميركي، بل أيضا إعادة النظر في تخفيض الضرائب الذي أدى للعبث بالفائض، باعتباره أهم مبدأ في سياسة بوش المالية.

وقد يطرح على الشعب الأميركي انه سيدشن مشروع مانهاتن الذي يهدف الى زيادة فعالية الوقود وتخفيض نفقات مصادر الطاقة البديلة للتقليل من اعتمادنا على النفط الخارجي. نعم، قد يستغرق المشروع بعض الوقت، لكنه بالتدريج سيجعلنا أمة يمكنها الاعتماد على مواردها، وسيؤدي الى تخفيض أسعار النفط، وهو أفضل وسيلة للتعجيل بحدوث تغيير سياسي في أماكن في منطقة الشرق الأوسط، وسيوفر بديلا لمعاهدة كيوتو، سبق لبوش أن وعد العالم به لكنه لم ينفذه حتى اليوم.

يمكن لبوش أن يطرح على الشعب الأميركي اننا لم نعد قادرين على مواصلة أسلوبنا الأناني المتعلق بدعم المنتجات الزراعية وبتوفير الحماية لمنتجات النسيج. وهو اسلوب اقتضى مطالبتنا للدول النامية بأن تفتح أبوابها لمنتجاتنا، لكن بدون أن نمنحها القدرة الكاملة على بيع ما تنتجه من السلع الفلاحية والمنسوجات في أسواقنا. فإذا ما استمرت دولة مثل باكستان تعيش في حالة فقر، وإذا ما تمكن شعبها فقط من الإنفاق على المدارس الدينية، فحينها سنواصل العيش في حالة خوف. إذا ما اعتمدت المصالح المتعلقة بأمننا القومي على التطور في تلك الدول، واعتمد تطورها على اقتحامها لأسواقنا، فإن علينا أن نفتح أسواقنا ونطبق ما ندعو الناس اليه.

وقد يطرح على الفلسطينيين ان الولايات المتحدة تنوي قطع جميع المساعدات والاتصالات الدبلوماسية معهم حتى يجددوا قياداتهم،لأنه لا يمكن التوصل الى سلام مع القيادة الحالية. وقد يطرح على ارييل شارون انه ما لم يضع حدا لبناء جميع المستعمرات ـ الآن ـ فإن الولايات المتحدة ستبدأ بقطع المساعدات الاقتصادية التي تقدمها لإسرائيل. وقد يطرح على الطرفين انه ينوي العودة الى خطة سلام كلينتون والاستناد عليها.

يمكن لبوش أن يطرح على جميع العرب ان ميركا لديها هدف واحد في العراق، فما أن تتمكن من نزع أسلحته الخطيرة ستدعم العراقيين في تنفيذ ما جاء في تقرير الأمم المتحدة بشأن التنمية البشرية في العالم العربي، والذي أكد على ان العالم العربي لن يتغلب على أوضاعه الحالية بدون الحرية وبدون برنامج تعليمي متطور وبدون تعزيز قدرات المرأة.

وأخيرا قد يطرح على منافسه المحتمل كارل روف أن يريح نفسه والآخرين حتى سبتمبر عام 2004، بحيث لا ينظر الى أي شيء يفعله الرئيس بخصوص هذه الحرب، باعتباره عملا يستهدف تحقيق مكسب سياسي.

أصدقائي القراء، اننا على أبواب لحظة تحول أميركية تهم العالم. واذا ما استفاد بوش من التفويض الهائل الذي يتمتع به وهو يستعد للحرب، بطريقة تتعامل بالفعل مع نقاط الضعف السياسية والاقتصادية التي نعاني منها، وتضاعف احتمالات بقائنا في السلطة، وتقنع العالم بأن لدينا رؤية ايجابية واننا ابناء العالم الذين نتحمل مسؤولياتنا، فان هناك فرصة ما في أن نتمكن من تحقيق النصر بتكلفة مقبولة.

أما اذا ما قرر بوش ببساطة استغلال التفويض الممنوح له للمضي قدما في برنامج عمل أقصى اليمين والاستغراق في سياسات تشجع على مزيد من السكينة، فسيصبح العالم مكانا حافلا بمزيد من المخاطر بالنسبة لكل أميركي، بغض النظر عن الحرب التي نخوضها، وبغض النظر عن الحرب التي سنحقق النصر فيها.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـخاص بـ«الشرق الأوسط»