حتى لا تصبح حرب حضارات شاملة

TT

ما يدور في ايران اليوم هو دون ادنى شك اكثر التوجهات إحياء للامل في كل العالم الاسلامي. انه مزيج من مارتن لوثر وتيانانمين سكوير، أي نزوع نحو الاصلاح مصحوب بحركة ديمقراطية عفوية يقودها الطلاب. وتواجه هذه الحركة عدوا شرسا يتمثل في القيادة الدينية المحافظة. كما انها لن تهتدي الى حلول سريعة وناجزة لما يفسد العلاقات بين الاسلام والغرب حاليا. والواقع انه لا توجد مثل هذه الحلول السريعة والناجزة. ولكنها مع ذلك حركة بالغة الاهمية لانها تعكس ادراكا عميقا لدى الكثيرين من المسلمين الايرانيين، بان عيشهم في هذا العصر وازدهار مجتمعاتهم في عالم اليوم، هم وغيرهم من المسلمين، يحتاج الى تفكير مختلف من هذه النسخة الاصولية الميتة، المعادية للتقدم والمعادية للغرب، التي يدعو لها رجال الدين ويفرضونها فرضا على ايران وعلى غيرها من الدول. ويمثل هذا الادراك شرطا ضروريا كيلا تتحول الازمة المشتعلة بين الاسلام والغرب، والتي فجرتها احداث 11 سبتمبر، الى حرب حضارات شاملة.

واذا وضعنا المسألة بصورة اخرى، لقلنا ان ما يدور في ايران اليوم هو بالتحديد حرب رؤى وافكار داخل الاسلام نفسه، وهي اهم الحروب على الاطلاق. ونحن يمكننا ان نقتل اسامة بن لادن وكل اتباعه، ولكن آخرين سيظهرون ليحلوا محل هؤلاء. المجتمعات الاسلامية وحدها هي القادرة على نزع الشرعية عن هذه القوى واستئصالها بصورة دائمة. وسيحدث هذا عندما تخوض المجتمعات الاسلامية معاركها من اجل الديمقراطية والاصلاح الديني، وان يأتي كل ذلك من داخلها. كانت الجماهير المحبطة داخل الكتلة السوفيتية هي التي قتلت ماركس، ولذلك فان الجماهير المسلمة التي اصابها الغثيان من سيطرة المعادين للحداثة على دينها، هي وحدها التى تستطيع قتل البنلادنية وفروعها المختلفة.

هذا الصراع الدائر في ايران يرمز له شخص واحد يستحق ان يعرف اسمه، وهو هاشم اغاجري، الثوري الاسلامي سابقا والاستاذ الجامعي حاليا، والذي اعتقل يوم 6 نوفمبر وحكم عليه المتشددون الايرانيون بالاعدام، بعد ان تحدث عن ضرورة تجديد الاسلام بحركة «بروتستانتية اسلامية». وقد ادى الحكم عليه بالاعدام الى تفجير ثورة طلابية.

القى هاشم اغاجري خطابه ذاك في الذكرى 25 لوفاة علي شريعتي، احد اكثر مفكري الثورة الايرانية تقدمية. وقد ردد في ذلك الخطاب ان علي شريعتي ظل مصدر الهامه الدائم. وقد بدأ خطابه بالقول «مثلما ارادت البروتستانتية انقاذ المسيحية من رجال الدين ومن السلطة الهرمية الكنسية» فان على المسلمين ان يفعلوا شيئا مشابها اليوم. وقال ان الفقهاء الذي هيمنوا على الدين، لم يكن مفترضا فيهم ان يحتكروا التفكير الديني، كما يجب الا يسمح لهم بحظر التفسيرات الجديدة المستندة الى الحداثة. وقال: «كما كان الصحابة في فجر الاسلام يناقشون النبي، فان من حقنا ان نفعل ذلك اليوم. وكما كانوا يفسرون ما نزل اليهم في مراحل تاريخية معينة، فان من حقنا ان نفعل ذلك. ولا يمكننا ان نقول: «نسبة لان هذا هو الماضي فان علينا ان نقبله دون نقاش». فهذا ليس منطقيا. وقد ظل الشباب على مدى سنوات يخشون قراءة القرآن. وظلوا يقولون لانفسهم «يجب ان نسأل الملالي عما يقول القرآن». ثم جاء علي شريعتي وقال للشباب ان هذه افكار مفلسة. وقال لهم انهم يمكن ان يفهموا القرآن بطريقتهم الخاصة.. وكان الملالي يقولون للناس انهم اذا فهموا الاسلام بطريقتهم الخاصة فانهم يرتكبون ذنبا. وكانوا يخشون ان تنهار عصابتهم اذا فهم الشباب القرآن دون الاستعانة بهم».

واستمر اغاجري في خطابه قائلا:

«نريد دينا يحترم حقوق الجميع، دينا تقدميا، وليس دينيا تقليديا يكبل الناس. ان على المرء ان يكون خيّرا، ان يكون نقيا. يجب الا نقول للآخر اذا لم تكن معنا، فان من حقنا ان نفعل بك ما نشاء. فنحن ان تصرفنا على هذا المنوال فانما نكون قد خالفنا مبادئنا الدينية نفسها».

وختم هاشم اغاجري خطابه على النحو التالي:

«نحن احوج اليوم اكثر من أي يوم مضى، الى «الانسانية الاسلامية» و«البروتستانتية الاسلامية» التي دعا اليها شريعتي. ومع ان القادة الدينيين الايرانيين، لا يؤمنون بحقوق الانسان، فان دستورنا يعترف بهذه الحقوق. النظام الايراني يقسم الناس الى اهل النظام والمختلفين معه. ويمكنهم ان يفعلوا ما يشاءون بالمخالفين. يمكنهم ان يذهبوا الى منازلهم، ويصادروا ممتلكاتهم، ويشينوا سمعتهم، ويرهبونهم ويقتلونهم لانهم مخالفون. هل هذا منطق اسلامي عندما لا يكون هناك احترام للبشر؟».

رفض هاشم اغاجري استئناف الحكم الصادر بحقه لانه قال ان محاكمته كلها كانت مهزلة. ولكن محاميه قدم استئنافا يوم الاثنين بمبادرة خاصة منه. وما يزال مصير اغاجري معلقا. عليك ايها القارئ متابعة هذه المحاكمة، انها اهم محاكمة في العالم في الوقت الحالي.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»