عجز الخيارات بما فيها «لعم»

TT

إذا كان صحيحا ان المكتوب يقرأ من عنوانه، فليس أوضح اليوم، من المكتوب الاسرائيلي المتضمن حكومة يمينية تقوم على ثلاثة اعمدة لها بال طويل في كراهية العرب من جهة، ورفض العملية السلمية مع الفلسطينيين من جهة ثانية، اضافة الى ما يزعمه الثلاثة: شارون ونتنياهو، وموفاز من ان اسرائيل الكبرى قائمة لا محالة، على أنقاض العالم العربي.

وسواء صحت مزاعم وأحلام هذا الثلاثي أم لا، فالذي لا شك فيه ان الانتخابات الاسرائيلية المقبلة ستأتي ببرلمان ذي اكثرية يمينية ويمينية متطرفة وستنتج عن هذا البرلمان حكومة يمينية أو يمينية متطرفة. ذلك انه منذ مقتل اسحق رابين في مثل هذه الايام قبل سبع سنوات (4 نوفمبر 1995) أغلق الاسرائيليون بوابة العبور نحو السلام، واستبدلوها بمحاولات عسكرية متواصلة لشل قدرة الشعب الفلسطيني على الكفاح، واغراق العالم العربي في مشاكل مستعصية حتى لا يصبح ممكنا دعم العرب للقضية الفلسطينية كما كان عليه الامر قبل أوسلو.

واذا نحن نظرنا الى العالم العربي من نافذة منطاد سياسي أو طائرة سياسية فسوف يدهشنا الوضع العربي لكثرة ما فيه من أزمات توجع القلب والجسد والضمير.

فالجزائر متعبة بحربها الداخلية، والمغرب مشغول بالاحتلال الاسباني من جهة، ومطالب البوليساريو من جهة ثانية، وليبيا تئن من عزلتها العربية ووضعها الاقتصادي البائس. والسودان يهدر ماله ورجاله في الكر والفر مع الجنوب. ومصر موجوعة اقتصاديا، وعاجزة عن لم الشمل. وسوريا مهددة باسرائيل من جهة، وامريكا من جهة، ومترتبات لبنان واحزابه المتشابكة من جهة وموقفه من ايران من جهة ومن العراق من جهة. ولبنان ما زال يحاول ان يخرج رأسه من تحت انقاضه، والاردن محتار بين شرقه العراقي وغربه الفلسطيني وشماله السوري، والخليج كله يضع يده على قلبه، والأخرى على جيبه، فإذا اندلعت الحرب على العراق يذوب قلبه ويذوب جيبه. واذا نجا العراق من الحرب فإن الخليج لن ينجو من انتظار الآتي.

واما فلسطين القضية والازمة ووجع الرأس، فهي اليوم في أقصى درجات الصبر والانتظار والفقر والحيرة. فالصبر قد يدفع بها نحو الاضمحلال. والانتظار يحير الانتفاضة والسلطة معا. والفقر يطحن العزيمة والعضلات والحيرة لا تنفك تسأل:

ـ إلى أين؟

* إلى شارون أم إلى شارون ثانية؟

* والدولة.. إلى أين؟.. إلى 40 في المائة من الأرض.. أم إلى 60 أم إلى 70 أم 94 كما طرح باراك ذات يوم فجعلوه يندم ويتراجع؟

وما دام ان المكتوب الاسرائيلي يمكن قراءته من عنوانه، فلا شك في ان السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية تعلمان سلفا ان الآتي اقبح من الذاهب.

شارون لا يريد ان يكلم عرفات، أي انه لن يتفاوض معه. وشارون يريد القدس بشقيها، ويرفض حق العودة، ويرفض اقامة الدولة الفلسطينية الا على 40 في المائة من الارض ومن دون جيش وعلاقات دولية حرة.

ونتنياهو اراد ما اراده شارون، وقد خرج من الحلبة بعد انتصار شارون عليه في انتخابات الليكود الأخيرة.

عرفات يعرف جيدا الى اين تتجه رياح اسرائيل، وامريكا تعرف أكثر مما يعرف عرفات. والعرب جميعا يرون منذ اليوم، وبوضوح تام، ان الآتي لا يسر الخاطر. لكن.. ماذا أعدت السلطة للحكومة الاسرائيلية اليمينية المقبلة؟ هل ستحاربها أم ستهادنها؟ واذا ارادت السلطة ان تهادن وتفاوض، فهل اسرائيل مستعدة؟ واذا استعدت، هل سترضى بشروط الفلسطينيين، واذا رفضتها من سيفرضها عليها؟

من المؤسف، ان الوضع الفلسطيني يشبه الوضع العربي تماما. فقد جرت الامور العربية على نحو جعلت من الصعب لم الشمل والاتفاق على كلمة واحدة. فعندما تنعقد القمم العربية أو الجامعة العربية يسمع المواطنون العرب باذانهم ان العرب اصبحوا ثلاثة عربان. عرب السلام ايا كان شكله وثمنه. وعرب مع السلام، ولكن بتشليح اسرائيل ما اخذته بقوة السلاح.. من دون حرب او استعداد للحرب. وعرب يتفرجون على العربين الآخرين، اذا جاء السلام أهلا وسهلا واذا غاب أهلا وسهلا.. فالمهم ان يأتي ويغيب من دون أن يمر من أمام بيوتنا.

ولعل ابشع ما في هذا الكلام والتحليل، اننا نعرفه جميعا ولا نرفع يدنا بلا أو بنعم. وأغرب ما فيه اننا نعرف ان الغرب يعرف اننا عاجزون.. لكننا نزعم أمامهم اننا جبارون، بل رافضون.