الشرق الأوسط وتطورات نفطية روسية

TT

عادت روسيا الى الساحة النفطية العالمية مؤخرا عبر ثلاث خطوات تلفت النظر وتعيد طرح قضية الدور الاستراتيجي الذي تأمل موسكو في لعبه مصدرا للامدادات النفطية المأمونة للغرب. وتمثلت الخطوة الاولى في الاتفاق على اختيار مرفأ مورمانسك، الذي يصله خط انابيب بطول 1550 ميلا لينقل النفط الى الولايات المتحدة، ويؤمل بعد اكتماله في عام 2007 ان يرفع حصة روسيا من الواردات النفطية الامريكية الى 13 في المائة من لا شيء تقريبا في الوقت الراهن.

أما الخطوة الثانية فتمثلت في القرار بطرح جزء من اسهم شركة لوك اويل، اكبر شركة نفط روسية تسيطر عليها الحكومة، وذلك بعد تاجيل اربعة أشهر، مما يشير الى عزم الحكومة على الاستمرار في سياسة التخصيص وفتح هذا القطاع امام الاستثمارات الاجنبية.

أما الخطوة الثالثة فتمثلت في الجولة الآسيوية التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بادئا بالصين، بهدف التعرف على القيادة الصينية، عارضا عليها تلبية احتياجاتها المتنامية من الطاقة والنظر في مشروعات مشتركة في ميادين النفط والغاز.

من بين هذه الخطوات تبدو الاخيرة منها الاكثر اثارة للاهتمام وذلك بسبب اتساع السوق الآسيوية والنمو المتواصل في احتياجاتها النفطية في الوقت الذي يتراجع فيه انتاجها المحلي، بل اتجاه دول آسيوية منتجة مثل اندونيسيا وماليزيا ان تصبح مستوردة هي ذاتها للنفط ومنتجاته بين عامي 2005 و2010، الامر الذي يجعل ذلك الاقليم اكثر اعتمادا على النفط المستورد بعد ذلك العام. وفي الوقت الذي شكلت فيه حصة آسيا من الطلب على النفط 14 في المائة عام 1971، فان تلك النسبة ارتفعت الى 28 في المائة حاليا، ويتوقع لنسبة النمو ان تستمر بمعدل 4 في المائة سنويا بين عام 1997 و2020، او من 19 مليون برميل يوميا عام 1997 الى ما يزيد على 28 مليونا بنهاية العقد الاول من هذا القرن الى اكثر من 37 مليون برميل بحلول عام .2020

هذا في الوقت الذي يتراجع فيه الانتاج المحلي الى نحو 5 ملايين برميل يوميا، وهو ما يرفع نسبة الاعتماد على النفط الاجنبي المستورد من 69 في المائة عام 1997 الى 80 في المائة عام 2010 و87 في المائة عام .2020

احدى النتائج المباشرة لهذا التحول حدوث تغيير في حجم التنافس بين الدول الآسيوية على تأمين امداداتها. فاليابان التي تعتمد على النفط الاجنبي بنسبة 99 في المائة تلبية لاحتياجاتها المتنامية، ستجد منافسة من الآخرين خاصة الصين وكوريا. بل ان الصين الكبرى، التي تضم هونج كونج وتايوان بدأت فعلا في الحلول محل اليابان اكبر مستورد للنفط ومشتقاته في القارة.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل روسيا قادرة على تلبية كل هذه الاحتياجات رغم ما يوفره لها القرب الجغرافي والبعد عن منطقة الشرق الاوسط المضطربة من ميزة تنافسية. الاجابة بالقطع لا اذا اخذ حجم الاحتياطي النفطي الروسي وقدرة حقوله على التعويض عن النفط المستخرج، وهو ما لا يمكن ان يقاس بالقدرات النفطية لمنطقة الشرق الاوسط، التي توفر حاليا ما لا يقل عن 80 في المائة من الاحتياجات الآسيوية، وهي نسبة مرشحة للاستمرار ان لم تزد بسبب الوجود القديم لنفوط منطقة الشرق الاوسط في تلك المنطقة. فحقل واحد مثل الغوار في السعودية يحتوي على احتياطيات تزيد على اجمالي الاحتياطيات النفطية الروسية.

الساحة الآسيوية اصبحت مركز التركيز الرئيسي لمصدري النفط، خاصة خلال العقد الماضي. ويمكن على سبيل المثال اخذ اتجاهات الصادرات النفطية السعودية الى الخارج بحسبانها اكثر الدول تأثيرا في هذا المجال بحسب موقعها المحوري في الصناعة النفطية. فالصادرات النفطية السعودية الى السوق الامريكية في عام 1981 بلغت 3، 508 مليون برميل، او ما يزيد على نسبة 15 في المائة من اجمالي الصادرات، مقابل اكثر من 42 في المائة الى السوق الاوروبية و1، 31 في المائة للسوق الآسيوية. وبعد عقدين من الزمان ارتفعت النسبة المتجهة الى السوق الامريكية الى 25 في المائة، بينما تراجعت تلك المتجهة الى اوروبا الى 4، 18 في المائة، في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة الصادرات المتجهة الى السوق الآسيوية الى 4، 48 في المائة. وجاءت الزيادة بصورة مطردة خلال العقد الماضي ماعدا عامي 1998 و1999 بسبب الازمة المالية الآسيوية التي ضربت الاقليم وأدت الى تراجع في حجم النشاط الاقتصادي.

وإلى جانب القدرات الانتاجية السعودية الكبيرة فان توجهها الى ميدان العمليات النهائية والدخول في صناعة التكرير، كما فعلت في كوريا الجنوبية والفلبين، اسهم في تعزيز الحضور النفطي السعودي في تلك المنطقة.

على انه يبقى للخطوات الروسية جاذبيتها الخاصة المتمثلة في انها تعتبر تنويعا لمصادر الامدادات، وهو هدف عزيز على كل الدول المستهلكة، خاصة في ظل ازمات منطقة الشرق الاسط التي لا تنتهي ولا تبدو في الافق بادرة لاختراقها من الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الى الوضع في العراق، وكلها لها انعكاساتها على الاسعار والامدادات سواء لأسباب عملية او مجرد انعكاسات نفسية.

اما جانب الجاذبية الثاني الذي تتميز به روسيا فهو برنامجها الطموح للتخصيص وفتح صناعتها النفطية للاستثمارات الاجنبية، خاصة في ميدان العمليات الامامية، وهو ما لم تستطع دول الاقليم ان تحقق فيه اختراقات مؤثرة رغم الحديث النظري عن عودة الشركات الاجنبية الى الاقليم الذي اخرجت منه قبل اكثر من ربع قرن من الزمان بسبب عمليات التأميم والمشاركة، التي انتهت بتملك الدول المنتجة لأصول صناعتها النفطية عبر الشركات الوطنية التي اقامتها لهذا الهدف.

يبقى القول في النهاية ان الجهود الغربية والامريكية تحديدا لتقليل اعتمادها على نفط الشرق الاوسط لم تحقق اختراقا رئيسيا يذكر خلال ثلاثة عقود من الزمان رغم الخطوات المحددة من اقامة وزارة للطاقة في الولايات المتحدة وتأسيس الوكالة الدولية للطاقة، ثم انه مع ترابط السوق الدولية واتساع دائرة العولمة فإن أي نمو او تراجع في الانتاج ينعكس على السوق العالمية ككل انتاجا وأسعارا.

ولهذا ستلعب الساحة الآسيوية دورا مؤثرا حتى وان نجح الغرب في خفض احتياجاته النفطية. وبالنسبة للولايات المتحدة تحديدا، فانها ستظل مهمومة بوضع الامدادات النفطية حتى اذا لم تستورد برميلا واحدا من الشرق الاوسط، وذلك لأنها القطب الوحيد في عالم اليوم الذي يحتاج الى متابعة ما يجري في آسيا، المنافس المستقبلي المحتمل لهيمنتها العالمية.