ليطلق سراح «الجواسيس» في بغداد فورا!

TT

بعد تمديد ولاية الرئيس العراقي صدام حسين في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي لسبع سنوات اخرى في «استفتاء» المئة بالمئة الشهير، اعلن صدام «عفوا عاما» عن السجناء والمعتقلين والهاربين جميعا، بمن فيهم السياسيون.

وبالفعل شمل العفو كل مرتكبي الجرائم والجنايات العادية، بما فيها الخطيرة، لكن لم يظهر حتى اليوم اي اثر لمئات الآلاف من السجناء والمعتقلين السياسيين العراقيين، فضلا عن مئات الاسرى الكويتيين والايرانيين ومن بلدان اخرى. ولم تقدم السلطات الاخرى اي تفسير لعدم اطلاق سراح هؤلاء او ابلاغ عوائلهم بانهم قتلوا ما دامت تصر على ان كل المشمولين بالعفو اطلق سراحهم وان السجون فرغت تماما.

قرار «العفو العام» استثنى فقط المحكومين او المتهمين في قضايا التجسس لاسرائيل والدول الغربية. ويمكن بالطبع تفهم هذا الاستثناء، بل تأييده بقوة باعتبار التجسس خيانة عظمى يستحق مرتكبوها العقوبات المشددة، مع انه ليس بالضرورة ان يكون من حكم عليهم او اتهموا بالتجسس في العراق هم جواسيس فعلا، فمنذ انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 اعدم علنا، وسرا ايضا، العشرات من الذين اتهموا بالتجسس ولم يكونوا كذلك، بل كان بعضهم من اخلص الوطنيين، وهذا ما يعرفه اغلب العراقيين الذين عاصروا احداث العقود الثلاثة الماضية والكثير من غير العراقيين ايضا.

وفي كل الاحوال فانه منذ السبت الماضي سقط الاساس الذي استثني بموجبه «الجواسيس» من قرار «العفو العام» الاخير.

ما الذي فعله هؤلاء؟

اذا كانت التهم التي وجهت اليهم صحيحة وسليمة وليست مفبركة، فالمفترض انهم نقلوا الى المخابرات الاسرائيلية او الاميركية او البريطانية او غيرها معلومات عن الامن الوطني. ويوم السبت الماضي قدم صدام حسين اخطر كل اسرار الامن الوطني العراقي.. قدمها بأدق التفاصيل المملة التي غطت نحو 12 الف صفحة مطبوعة وعشرات من الاقراص المدمجة، عدا عن اطنان الوثائق التي قدمت في السابق الى لجنة «انسكوم»، فضلا عن فتح ابواب المصانع والمنشآت العسكرية والمواقع «السيادية» كلها.. بل فتح كل باب في العراق امام المفتشين الذين ما زال صدام وكبار مساعديه يصرون على وصفهم بـ«الجواسيس».

ما قام به صدام منذ العام 1991 حتى يوم السبت الماضي من كشف لاسرار الامن الوطني العراقي ما كانت اجهزة المخابرات الاسرائيلية والاميركية والبريطانية والفرنسية والالمانية وغيرها ان تحققه في قرن كامل من الزمن حتى لو زجت بكل عملائها ووكلائها في كل بلدان العالم.. و«الجواسيس» الذين ابقي عليهم في سجن ابو غريب (بغداد) وفي معتقلات الامن العام والامن الخاص وجهازي المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية لم يقدموا الى «الاعداء» واحدا بالالف مما قدمه صدام ومساعدوه يوم السبت الماضي.

اذا كان لا بد من سجن الجواسيس العراقيين او اعدامهم بسبب خيانتهم العظمى لبلادهم فمن باب اولى ان تشمل هذه العقوبة صدام حسين ومساعديه.. بل يتعين ان تكون عقوبة هؤلاء مشددة بسبب المناصب الخطيرة التي يتولونها.. والا فليطلق سراح «الخونة» الصغار فورا ما دام الخونة الكبار طلقاء.

[email protected]