التقنية ليست ضمانة للتقدم

TT

لا ادري لماذا يصر البعض على تصوير التقنية على انها جناحا طير قادرة على تغيير كل مجتمع بلا اعتبار لطبيعة التطور الطبيعي الذي يستهلكه التغيير الثقافي تحديدا.

واعتقد انه كان من حقي ان اصرخ محتجا على السائل الغريب الذي القى بسؤاله المعلب، في هذا العصر، عصر الانترنت والفضائيات والهواتف الجوالة، ألا تعتقد ان التقنية الحديثة طورت المجتمع؟

ان تصوير العالم البعيد على انه مغلق تقنيا، وان كل ما يحتاجه لاختصار تاريخ التطور هو فتح بواباته التقنية او تمكينه من الاتصال، فيه تبسيط لعملية النمو وغالبا ما تخفق في تحقيق امنيات هؤلاء بعد حين.

وكثيرا ما ترددت مقولة التغيير المبنية فقط على نظرية تمكين التقنية من حلوق الناس متناسية اهمية ايصال الثقافة الى عقولهم اولا، فالمايكروفون والكاميرا والاذاعة والتلفزيون والتلفون والكمبيوتر والانترنت ليست الا موصلات، واذا كانت الثقافة العامة كما هي في محيطها فان هذه الادوات تعممها كما هي، متخلفة ان كانت متخلفة، او متطورة ان كانت متطورة، وهي بيننا تعزز التخلف كما يراه كل مطلع اليوم. ولا اتصور اننا رأينا مثل ما نطالعه ونشعر به من تدوير للثقافة المتخلفة اليوم، بسبب دخول التقنية الحديثة التي صارت تدور على بيوت الناس ببضاعتها القديمة.

وبوجود وسائل تسريع النقل فاننا نواجه مشكلة كبيرة تتمثل في تعميم الجهل وتغليبه وتجعلنا نتساءل كم من الزمن تحتاج العقول والتقنية للفكاك من هذه الدائرة المغلقة؟

لهذا اتصور ان مبشري التطوير باسم فتوحات التقنية يحتاجون الى مراجعة افكارهم، والتوقف عن تكرار الحديث عن التقدم التلقائي الناجم عن هذا الكم الكبير من ادوات النقل والعرض والتصوير والطيران، فهي جميعا لم تحقق كثيرا من تقدم يمكن ان نلمسه بما شاهدناه في العقود التي سبقت الفتوحات التقنية.

وما اثارني مما قرأته تكرارا ومرارا في مراجع اجنبية التصور التلقائي عن ان الانفتاح التقني ضمانة للانفتاح الثقافي في محاولة لبيع هذه الفكرة دون عناء لدراسة آثار عشرين سنة من استخدام الفاكس او عشر سنين من الانترنت او خمسين سنة من الطيران وثلاثين سنة من الثرثرة على الهاتف او مشاهدة التلفزيون، وهذه ازمنة التقنية في منطقتنا، فما الذي تغير كثيرا في فكر المنطقة خلال هذه التواريخ؟ الحقيقة لا شيء او الكثير من التراجعات الفكرية.