أقوال من 1949

TT

كان الدكتور شارل مالك، استاذ الفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، وكان متهماً بأنه رجل اميركا الاول. وكان الرجل يحمل اكثر من عشرين دكتوراه وزمالة وتقديراً علمياً من جامعات العالم. كما كان الكاتب الذي وضع للانسكلوبيديا بريتانيكا «تعريف الدبلوماسية». واشهر اعماله انه شارك في وضع «شرعة حقوق الانسان». وصدر كتاب قبل عام عن دور زوجة روزفلت في هذا الباب، نصفه عن شارل مالك ودوره الفكري والاستشاري في الموضوع.

غير ان شارل مالك احترق في سياسات لبنان الصغيرة. وبعدما عمل سفيراً في واشنطن نهاية الاربعينات اصبح وزيراً للخارجية نهاية الخمسينات. ونظر اليه عدد من اللبنانيين في ريبة او غضب او معارضة. وكنت من الفئة الاخيرة. فقد قيل لنا ان شارل مالك خان امته وعروبته وانطرح على الغرب ينفذ سياساته ومشاريعه. وغاب الرجل وبقيت هذه السمعة. ومثل كل شيء آخر في العالم العربي تلصق التهمة والاشاعة وتدفن الحقيقة مع اصحابها.

صدر عن «دار النهار للنشر» كتاب بعنوان «اسرائيل واميركا والعرب» هو عبارة عن التقرير الذي ارسله السفير شارل مالك من واشنطن الى وزارة الخارجية اللبنانية في 5 اغسطس (آب) .1949 اتمنى على كل مسؤول عربي ان يقرأه. وان يتذكر كلما قرأ سطراً منه انه كتب العام 1949 وليس العام .2002 وان يتذكر دائماً ان الرجل الذي كتب هذا الكلام عاش ومات متهماً بالتزلم لاميركا ومتهماً ضمنياً بتأييد اسرائيل. يقول شارل مالك، العام 1949 «كانت القضية الفلسطينية ولا تزال اخطر قضية عربية على الاطلاق. ومآلها بالتالي هو مآل العالم العربي بكامله. ونكبة فلسطين هي صورة جلية للنكبة العربية. والصفقات التي ولدت الفشل العربي في فلسطين هي نفس الصفقات التي ولدت وتولد الاندحارات الشاملة في العالم العربي. والقرارات الواجب اتخاذها بصدد مصير فلسطين هي القرارات الواجب اتخاذها بصدد العالم العربي بأسره».

يقول شارل مالك، العام 1949: «كل ما حصل حتى الآن في فلسطين ليس سوى بداية. اما الخاتمة فقد تكون اما محق العالم العربي واستعماره من قبل اليهود، او نهوضه من جديد عالماً عصرياً محترماً. ومهما يكن من امر فالمستقبل القريب سيكون اكثر ظلامة من الحاضر واقوى خطراً من الماضي (...) كل هذا ليس عملاً تقف عنده مطامع اليهود وينتهي به خطرهم (...) ودولة اسرائيل بوضعها وحدودها الحاليين ليست مستقراً للقوة اليهودية الغازية، بل هي مركز تجمع لها، ونقطة لانطلاقها وتوثبها على الاقطار العربية المتاخمة فالنائية: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واذا اقتضى الامر عسكرياً». ويقول شارل مالك، العام 1949، ان تلك المرحلة بالنسبة الى الصهيونية توطئة «لاستعمار واستعباد العالم العربي بالفعل».

يقول شارل مالك، «العميل الاميركي»، العام 1949، ان «مشاريع المساعدة والتنمية التي تصدر عن اميركا، ليست في الغالب سوى ترضيات مغرية للشعور العربي المنفعل، وتهدئات ظاهرها ينم عن عطف على العالم العربي واهتمام بتقدمه، وباطنها يربط التقدم العمراني العربي باستتباب الدولة اليهودية ويجعل الاول مشروطاً بالثاني». يقول شارل مالك، العام 1949، ان قبول اليهود بوعد بلفور «المطاط» «ليس سوى خطوة نحو مطالبتهم باكثر مما ينص عليه الوعد عينه حرفياً».

يقول شارل مالك، العام 1949، ان الصهيونيين سوف يستعطفون الاصولية المسيحية في الغرب «وقد ادركوا ما سها عن بال العالم العربي: ان التاريخ تقرره الاعمال الحاسمة لا الحجج القانونية (...) وان الوسائل الاذاعية والمفاوضات السياسية كلها لا قيمة لها على الاطلاق في تقرير شكل التاريخ، الا اذا استندت الى قوة حاسمة تنفذ ارادتها، وان التوازن السياسي والصراع الدولي هما في النهاية توازن قوى واقعية لا صراع حجج.

يقول شارل مالك، العام 1949: «لو وعى المسؤولون في العالم العربي كل ذلك اثناء المحنة عام 1948، ونفذوا ببصائرهم خلال حجب المستقبل لرؤية الرزايا التي ستنجم عن ظفر الصهيونية ومصير العالم العربي القاتم تخطه انتصارات اليهود يوماً بعد يوم، ولو شاركوا الاجيال العربية القادمة ببعض آلامها، واحسوا ببعض الذل والعار الذي قد يلصق بابنائنا واحفادنا، لو فعلوا كل ذلك، لما هدأ لهم بال وهم ينعمون، ولما ارتاح لهم ضمير وهم يتخاذلون ويتقاعسون ويتزاحمون ويتنابذون، ولتفانوا، فتفانت شعوبهم من ورائهم، ولتضامنوا فتضامنت شعوبهم بدلاً من ان يكون تعاونهم كلامياً وشكلياً ودعاوياً، ولاتخذوا بالتالي من اسرائيل موقفاً جدياً فدرأوا عن شعوبهم بعض الخطر الاسرائيلي ان لم يكن كله»، هذا بعض ما قاله «العميل» شارل مالك العام .1949