أغلبية إسلامية معتدلة.. وصامتة

TT

هل العنف جانب متأصل في الإسلام؟ الجدل حول هذا الموضوع نال اهتماما كبيرا في الولايات المتحدة، إلا ان السؤال في حد ذاته مناف للعقل، وهو اشبه بالسؤال: هل المسيحية دين سلام؟ هناك القديس فرانسيس وهناك حرب الثلاثين عاما، فأي منهما نختار؟

ترى، من الذي يمثل الاسلام الحقيقي؟ هذا السؤال لا يمكن الاجابة عليه فحسب، بل انه غير مناسب ولا صلة له بالقضية الاساسية، فالقضية الحقيقية لا تتمثل في جوهر التجريد ـ وإلا فمن هو الذي بوسعه ان يحدد ما هي المسيحية الحقيقية، او ما هي اليهودية الحقيقية ـ وانما تتمثل في ان اسوأ احداث العنف دموية التي تقع في عالم اليوم ينفذها مسلمون باسم الاسلام. ففي احداث العنف الاخيرة في نيجيريا رد بعض المسلمين هناك على مقال صحافي بحرق مكاتب الصحيفة التي نشرته، وقتل مسيحيين ابرياء لا ذنب لهم، وإصدار فتوى ضد كاتبة المقال. وفي باكستان، هاجم متطرفون مسلمون كنائس وقتلوا مصلين. وفي لبنان قتلت الشهر الماضي ممرضة انجليكانية وهبت حياتها لرعاية المرضى بإطلاق الرصاص على رأسها ثلاث مرات. واعترف منفذو تفجير بالي في اندونيسيا بتورطهم في عمليات تفجير كنائس في السابق. وفي الفلبين تخصص ابو سياف في خطف الرهائن وقطع رؤوسهم ضمن حملة ارهابية ضد الحكومة المركزية التي يغلب الكاثوليك على تكوينها.

ولكن، ليس في كل ذلك ما يشير الى وجود عنف موروث. فغالبية المسلمين يتسمون بالسلم ويعيشون في إطار قواعد السلوك الحضاري، ولكن العنف الحقيقي وسفك الدماء ضد كل الحضارات غير الاسلامية امر يستحق الاهتمام.

وما يمكن قوله هنا هو ان غالبية المظالم الفردية نابعة من احساس بأن الاسلام فقد مكانته وهيمنته اللتين كان يتمتع بهما قبل ما يزيد على خمسة قرون. وفي تلميح احد قياديي تنظيم «القاعدة»، ايمن الظواهري، الى خسارة الاندلس ما يعزز وعود بن لادن بالانتقام واستعادة ما فقد.

إن هذا الشعور بالتدهور الحضاري، وتبني الارهاب، والتهديد، كسبيل الى الاستعادة، تردد في تقرير صدر في الآونة الاخيرة عن الامم المتحدة وتحدث بوضوح عن الفشل العربي الذريع في التحديث. والواقع ان هذا واحد من الجوانب التي تخلف فيها العرب عن الغرب، بل حتى عن كوريا الجنوبية، خصوصا أن كوريا خضعت للاستعمار في السابق وعانت من الفقر ولا تملك ثروة نفطية هائلة.

عبد الرحمن واحد، الرئيس الاندونيسي السابق، وزعيم اكبر جمعية اسلامية في العالم، لا يعزو التشدد الاسلامي الى فشل احترام الذات، والوعي بها، فحسب، بل الى الفشل الذريع للنخب الاسلامية المعتدلة. فالارهابيون يتحدثون باسم الاسلام، بينما الغالبية المسالمة من المسلمين لا يجدون الشجاعة اللازمة لتحديهم. وإلى ان يتحدث هؤلاء، سيظل الحال كما هو عليه.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»