تأجيل لا مبرر له

TT

تمكن «الاتحاد الاوروبي» في قمة كوبنهاغن الاخيرة من حلحلة «المسألة التركية» الشائكة ولكن من دون حلها. وقد تكون الفرصة الذهبية قد فاتت عندما قررت القمة إرجاء موعد بدء المفاوضات حول عضوية تركيا سنتين أخريين، في حين حددت القمة عددا من الشروط التي طالبت بتوفرها قبل الشروع في التفاوض. وعليه، اما اذا ظلت الامور على ما هي عليه الآن، فقد لا يتحقق حلم تركيا بالانضمام الى الاتحاد لعشر سنوات اخرى.

رئيس الوزراء التركي عبد الله غول وصف قرار كوبنهاغن بأنه «مجحف وتمييزي»، ووجه اللوم على وجه التحديد الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك على ترويج جو معاد لتركيا في القمة. والواقع ان غول ـ ومن خلفه رجب طيب اردوغان، زعيم «حزب العدالة والتنمية» الذي كسب الانتخابات العامة التركية على اساس برنامج مؤيد للانضمام الى الاتحاد ـ سيواجه صعوبة كبيرة في تفسير هذا التأجيل لناخبيه، فضلا عن ان حكومته ستواجه حالة من الاضطراب قد تطول سنتين، بينما البلاد بأمس الحاجة لقرارات حاسمة على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

لقد جاء تأييد قبول عضوية تركيا في الاتحاد من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والتأييد الضمني لدول اسكندنافية وايطاليا. كذلك ايدت الولايات المتحدة الانضمام من خلف الكواليس، رغم انها ليست عضوا في الاتحاد. ولكن في نهاية المطاف اسفرت المعارضة الفرنسية والتحفظات الالمانية والشروط اليونانية الى التسوية المتمثلة في قرار التأجيل.

بدأ الهجوم الفرنسي الشهر الماضي عندما شن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، الذي يترأس لجنة لتحديد مستقبل الاتحاد الاوروبي، هجوما عنيفا ضد تركيا زعم خلاله ان دخول تركيا عضوا في الاتحاد الاوروبي يعني «نهاية اوروبا».

فماذا يا ترى على تركيا فعله الآن؟

غضب رئيس الحكومة غول مفهوم ومبرر، لكن لا مفر امامه من تسريع تطبيق الاصلاحات المطلوبة لإسقاط كل حجج التسويف والعرقلة، إذا كانت هناك نية في هذا الاتجاه. ولكن من ناحية أخرى، ورغم استمرار العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا، على حكام انقره التنبه الى هواجس باريس وبرلين اللتين تخشيان اختراقاً اميركياً إضافياً للقارة يأتيها هذه المرة من الجنوب الشرقي. كذلك على القيادة التركية عند هذا المنعطف البالغ الحرج ان تتعامل بحكمة مع العديد من التساؤلات الداخلية والخارجية، ابتداء من هويتها الاسلامية وما لذلك من تأثير على تفاعلها الاوروبي، وانتهاء بدور عسكرها المستتر في ممارسة «اللعبة السياسية»، مروراً بعلاقاتها مع جيرانها اليونان والقبارصة وإرث علاقاتها البلقانية القديمة.

قرار قمة كوبنهاغن، وجه عدة رسائل دفعة واحدة، وعلى اهل الحكم في انقره إدراك مضمون الرسالة الموجهة اليهم، وفي أسرع وقت ممكن.