النزاع والتعايش في زمن الإرهاب.. الهند نموذجا

TT

تعتبر الهند ثاني دولة في العالم من حيث تعداد السكان المسلمين بعد اندونيسيا. وبنفس القدر يعتبر عدد السكان الهندوس في الهند، اكبر من أي دولة اخرى في العالم، كما ان سكان الهند المسيحيين أكبر من سكان أي دولة اخرى معترف بها كدولة مسيحية. رغم كل ذلك، فإن الهند ليست دولة هندوسية او اسلامية او مسيحية، إذ انها تتبع لكل هذه الديانات والملايين من اتباع الديانات الاخرى.

وبذلك، فإن «الوحدة في التنوع» من ضمن المبادئ التي تميز دولة الهند المعاصرة. ولكن هناك جانبا آخر يتمثل في ان الهند تعتبر نموذجا للوحدة المعقدة من خلال التنوع، أي انها تمثل مجتمعا، يعزز التنوع فيه روابط دولتنا الحديثة. فالتنوع في الهند لا يتسم فقط بالتعدد والوفرة، وإنما يمثل عامل نشاط وحيوية وتأكيد على الوحدة.

فالديمقراطية البرلمانية التعددية في الهند توفر إطارا يعبر من خلاله الشعب عن آرائه ويتابع تحقيق طموحاته.

عززت الديمقراطية في الهند من جذورها، وظلت تبرهن، باستمرار، على مرونتها وسهولة تكيفها بصورة مستمرة أيضا، بل باتت اداة للتمثيل ومنح السلطة والتفويض. أما مرونة دستورنا، فقد ساعدتنا في استيعاب مختلف اشكال التنوع على نحو سلمي ومن خلال التفاوض، فضلا عن ان برامج وسياسات توفير الفرص المتكافئة، التي اصبحت جزءا لا يتجزأ من نسيج النظام الديمقراطي الهندي، باتت تعطي املا جديدا للقطاعات التي تعاني من الحرمان في المجتمع الهندي، بما في ذلك النساء. يساهم ما يزيد على مليون ممثل منتخب في عملية تحول تنتظم المناطق الريفية، بالاضافة الى ان تكوين ولايات جديدة ساعد في منع وقوع أحداث توتر ونزاعات، الى جانب بروز عنصر غاية في الاهمية في ادارة مختلف اشكال التنوع في الهند والتعامل معها من خلال إعادة تشكيل جغرافيا الهند الداخلية.

ثمة نشاط وحركة اجتماعية هائلة تحدث في مختلف مناطق الهند في الوقع الراهن، بيد ان هذه الحركة تؤدي في بعض الحالات الى حدوث نزاعات، ربما تظهر صورتها من الخارج مضخمة، كما يبدو ايضا ان الهند في حالة اضطراب مستمر. إلا ان الحقيقة هي ان الغالبية العظمى من الشعب الهندي تعيش في انسجام وسلام. لا شك بالطبع في ان الديمقراطية والعلمانية تمثلان عاملين منحا المجتمع الهندي قوة ومرونة، على الرغم من التوتر والضغوط المتنوعة، اذ تكونان شكلين من اشكال التسامح المكملين لبعضهما بعضا كما قال اوكتافيو باز، الشاعر والدبلوماسي المكسيكي الراحل الحائز جائزة نوبل.

الامر المثير للاهتمام هو ان شبكات الإرهاب العالمية لا صلة لها بمسلمي الهند، ويعود سبب ذلك الى ان الإطار السياسي والاجتماعي السائد في الهند يستوعب التعددية بصورة واضحة. ثمة انطباع منتشر في العالم حاليا بأن الاسلام والارهاب لا ينفصلان، مع تجاهل وجود بعد المنظمات الإرهابية التي ينتمي اعضاؤها الى اديان اخرى. الهند نفسها ظلت باستمرار ضحية للارهاب العابر للحدود الذي استهدف المسلمين والهندوس على حد سواء، نتيجة ما يحدث في ولاية جامو وكشمير، حيث اتضح ان الارهابيين يعملون على تنفيذ السياسة الخارجية للدولة المجاورة لنا من الغرب.

من الخطأ الاعتقاد بان الدين هو الدافع، لكن ومع ذلك، يجب ان نوضح ان المواقف التي تتبناها والخطوات التي تتخذها تساعد الذين يعملون على إثارة العداء الطائفي داخل الهند. هناك ايضا زعماء دينيون وسياسيون في الجانبين يعملون على إثارة توتر ومشاعر الآخرين.

الارهاب لا يعرف دينا، بل يمثل في واقع الامر نقيضا للدين لأن الرحمة تمثل جوهر كل الأديان. كان لا بد من بذل جهد رئيسي لتمكين الناس من تقدير واحترام هذه الحقيقة، إذ لا بد من تفعيل الحوار بين الأديان والتواصل على مختلف المستويات والمنابر بغرض المساعدة على ترقية وتحسين التفاهم المتبادل. التطرف الديني تفرزه في الغالب التهديدات والاخطار التي يتصورها البعض، بيد ان هذه التهديدات لا يمكن معالجتها والتعامل معها إلا من خلال التحليل والمناقشات والتفاعل.

* أرملة رئيس الوزراء السابق راجيف غاندي

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»