لقاء المعارضة الأخير

TT

هل هذا هو اللقاء الكبير للمعارضة العراقية قبل عودتها الى بلدها «محررة»؟ هذا شعور اكثرية المشاركين في المؤتمر المنعقد في لندن. وهذا الاقبال على المشاركة والاهتمام بالمستقبل القريب لا يخفي طبيعة الصراع الفكري والسياسي بين اطراف المعارضة التي تجعل الجميع في قلق من المستقبل القريب جدا مع تزايد الاحساس بعزم الحكومة الاميركية على تغيير النظام الحالي في العراق. وطبعا واهم من ينتظر اجماعا تلقائيا بين اطراف المعارضة العراقية، او اي معارضة، لمجرد حضورها تحت سقف واحد، فالمعارضة السياسية ليست مثل الجيش او الكشافة تؤمر فتأتمر. الحقيقة المكملة، ولا يخجل المعارضون من الاعتراف بها، انهم قدماء في الساحة ومتفرقون ومتناحرون وعلى هذا الاساس التقوا. الحقيقة الثالثة، انهم اليوم على مرمى حجر من حكم بغداد بما يفرض على هذه الفرق المتشتتة ان تبادر الى ترتيب اوضاعها جماعيا حتى لا تخسر جولة تاريخية نادرة. والذين يعيبون على المعارضة العراقية تشتتها ينسون ان معظم المعارضات النشطة في العالم لابد ان تختلف، ويندر ان تجد معارضة موحدة الصفوف، منتبهين الى ان المعارضة العراقية تعكس طبيعة العراق بتعددية اديانه ومذاهبه واعراقه التي لا مثيل لها في الدول العربية، ربما باستثناء لبنان.

هذه الفرق الملونة تقف اليوم على ابواب بغداد ولم يعد مقبولا ان تترك منسية في منافيها في ايران وسورية والسعودية والاردن واوروبا، ولا ان تستمر القوى السياسية والثقافية العربية تدير ظهرها لها لأنها ستصل الى بغداد وستكون شريكة في الحكم، اياً يكن الحكم المقبل. واصبح ترتيب هذه الفرق وترتيب الوضع في العراق مسألة اقليمية عاجلة على خلفية التغيير المفروض من قبل الولايات المتحدة، مما يفرض على الجيران وكذلك الدول الكبرى في المنطقة ان تساعد المعارضات العراقية على تبني صيغة تستوعب التعدد القائم لا إلغاءه او اختصاره في فريق منتصر واحد.

وليس مستبعدا ابدا ان يفاجئ المعارضون العراقيون العالم بقدرتهم على نظام حكم يعملون من خلاله بانسجام وسلام، ومحتفظين في الوقت ذاته بالتناقض والاختلاف تحت قبة الحكم الواسعة.

اما الذين يعيرون المعارضة العراقية بتحالفاتها الخارجية وركوبها ظهر دبابات اميركية فعليهم ان يتذكروا اولا ان التاريخ ليس في صفهم، وثانيا ان الواقع الدولي اليوم ايضا لن يكون الى جانبهم. وليس مؤتمر لندن الكبير الذي ضم معظم فصائل المعارضة الا رسالة سياسية بهذا المعنى للجميع، ان التغيير مقبل، وان المعارضة شريكة فيه، وان على المنطقة ان تستعد للآتي.

اما المعارضة فانها تكابر اذا كانت هي الاخرى تتصور انها جاءت منتصرة لوحدها، لانها كما نعرف جاءت سندا للتغيير المفروض من الاجنبي، وهذا لا يلغي وطنيتها ومشروعية مطالبها. انما الذي يمكن ان يلغيها غدا هو انغماسها في صراعاتها، واقصاء المعارضين الآخرين، مما يعني مستقبلا نقل الصراع الى داخل الارض «المحررة».