الرجل الذي أفسد المدينة

TT

تمتلئ الروايات الغربية بحكايات الغريب الذي يصل فجأة الى مدينة ويغير كل شيء فيها. اما الغريب الشرير، كما في افلام الكاوبوي، الذي يجتذب الى عصابته الجهال واليافعين، واما الغريب الطيب الذي يقود المدينة الى البناء والحياة الفاضلة والعمل الجماعي. وكلما قرأت عن الفضائح «الرسمية» في بريطانيا، تقف امامي صورة الاوسترالي روبرت موردوخ الذي جرّ الصحافة البريطانية خارج «فليت ستريت»، صحيفة بعد الاخرى، ثم حوّل «التايمس» التي اشتراها من صحيفة للناس والتقاليد والقانون، الى صحيفة تحاول ان تقلد «الصان» وان تنافسها على اعراض الناس وخصوصياتهم ومخادعم.

مهلاً. مهلاً. هذا لا يعني ان «الناس»، في هذا الباب، مخلوقات نقية تشوه سمعتها بالقراءة. لا. «الناس» هنا، سواء كانوا المسز بلير و«مستشارتها» النفسية، او صاحبتنا «فيرغي»، هم مواضيع ساخنة للصحافة الرخيصة، مثل مناقيش الصعتر. لكن المشكلة ان القواعد الصحافية التي اطلقها الاوسترالي التاجر تجعل الخبر او الحدث عند المسز بلير وعلاقتها بنصاب اوسترالي موصوف، وليس عند المستر بلير ومهامه في 10 دواننغ ستريت. المشكلة ان «التايمس» هي التي اشعلت معركة المنافسة الاخيرة بين صحف اللحوم، وهي التي تخوض المنافسة باخبار الاحذية ذات الكعب العالي او اخبار الحمامات الساخنة.

في الماضي كانت مهمة «التايمس» والصحف الكبرى الاخرى، ان تسعى الى الحفاظ على «المصلحة الوطنية»، مثلها مثل دواننغ ستريت. او اكثر. وعندما اقرأ المقال الافتتاحي في الصحيفة الآن، وهو غالباً من ارقى المقالات الصحافية واغناها في العالم، اتساءل كيف للمرء ان يثق بمثل هذا الكلام وقد كتب على فستان زهري اللون. فالعنوان الرئيسي في الصحيفة معظم الايام، حول قضية مثل شؤون ديانا سبنسر، في حين ان المقال الافتتاحي حول مسألة مثل المواجهة مع العراق او سياسة فلاديمير بوتين في الشيشان.

للأسف، هناك دائماً شيء ما، في غرف داوننغ ستريت الخلفية. فقد كان المستر جون ميجور يوحي لي بأنه أب مثالي يكاد يذوب احساساً ونقاء. وعندما اتهم بعلاقة مع سيدة تزود رئاسة الحكومة بالطبيخ، شعرت في نفسي بغضب شديد. ولما نفى ذلك شعرت انه انتقم لثقتي الشخصية به، هو الشقي ابن ضاحية بريكستون القاتمة، الذي وصل الى رئاسة الوزراء. لكن قبل اسابيع عاد جون فأقر بالعلاقة مع سيدة الطبيخ ومع وزيرة الصحة في ايامه ادوينا كاري، وهي امرأة داشرة تكتب من الروايات ما تصنفه الرقابة اللائقة في دائرة المحظور.

من المسؤول؟ «بطل» القصة الاخلاقية، ام ناشرها؟ لقد سيطرت قصص الحب على الدور والقصور في اوروبا منذ التاريخ. ومنذ ايام حمل جاك شيراك بنفسه الى «مقبرة العظماء» رفات الكاتب الكسندر دوما، الذي جاء اجداده الى فرنسا عبيداً من افريقيا، واصبح هو كاتب الفرسان والقصور وسيداتها. لكن كتابة الرواية شيء وتحويل الصحف اليومية الى نشرات من هذا النوع شيء آخر. وقد اثرى روبرت موردوخ في العالم، لانه تخلى عن المقاييس الاخلاقية، وليس لانه حافظ عليها او اهتم لها. وبذلك طرح في الساحة الصحافية نموذجاً جديداً، هو اسلوب تقديم الاشاعة على الخبر، وتقديم الخبر على الحدث، وتقديم كل شيء على المقاييس والاعراف الاخلاقية. وقد تحولت كل صحافة لندن الى «صن»، سواء كانت في حجم «التابلويد» او في الحجم العادي. وفي الماضي كان مقال افتتاحي في «التايمس» يهز الدولة، والآن يهز اعصاب المسز بلير. ومستشارتها.