«فيتنام» الخزينة الأميركية

TT

درجت الادارات الاميركية على «تنظيف» بيتها الداخلي بحلول النصف الثاني لولاياتها. وإذا كان الرئيس جورج بوش لم يشذ عن هذه القاعدة، فان العبرة من قراره الموافقة على «الاستقالة ـ الاقالة» لوزير خزانته، بول أونيل، ومدير مجلسه الاقتصادي القومي، لورونس ليندسي لا تكمن فقط في عودة الشأن الاقتصادي الى أولوية اهتماماته الداخلية بل في كون العامل الاقتصادي لا يزال هاجس بوش الابن من مواجهة مصير بوش الاب الذي خسر انتخابات الولاية الثانية بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية.

وضع الاقتصاد الاميركي هو «همّ» المرحلة مع مطلع النصف الثاني من ولاية الرئيس بوش. ولكنه همّ يصعب تخفيف وطأته ما لم تُعد الادارة الاميركية النظر باضخم عبء مالي تتحمله «مجانا»، ألا وهو دعمها المتنامي باطراد لاسرائيل.

في هذا السياق يكفيها أن تتجشم عناء قراءة دراسة مفصلة وضعها المستشار الاقتصادي المعروف، توماس ستوفر، عن التكلفة الاميركية الفعلية لدعم اسرائيل بطلب من الكلية الحربية للجيش الاميركي.

استنادا الى الارقام التي جمعها ستوفر، بمساعدة مجموعة من كبار العسكريين والدبلوماسيين الذين تقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (عدد 9/12/2002) انهم «لا يجرؤون على الكشف عن اسمائهم مخافة تعرضهم لتهمة اللاسامية»، فقد تكبدت الخزينة الاميركية في دعم اسرائيل أكثر من ضعفي ما تكبدته في حرب فيتنام، إذ كلفتها، منذ العام 1973، نحو 1.6تريليون دولار، اي أن حصة كل أميركي من دعم اسرائيل تبلغ 5700 دولار.

ويذكّر ستوفر في دراسته بأن اسرائيل تتلقى، منذ عام 1973، معونات سنوية مباشرة تبلغ الـ3 مليارات دولار، مما يعني انها تسلمت حتى الان 240 مليار دولار (بالقيمة الشرائية لدولار العام 2001). ويضيف ستوفر أنه في مقابل هذه المعونات، اعطت واشنطن مصر 117 مليار دولار والاردن 22 مليارا على شكل مساعدات خارجية لقاء توقيعهما لاتفاقات سلام مع اسرائيل. ويستطرد أن هذه المبالغ تعتبر «سياسيا، ان لم يكن إداريا، جزءا من سلة الدعم الاجمالي لاسرائيل». وفي احتساب للاعباء الجانبية التي يتكبدها الاقتصاد الاميركي من دعم اسرائيل، يذكر ستوفر أن تجميد اللوبي الصهيوني لصفقة طائرات «إف ـ 15» للسعودية، في اواسط الثمانينات، أفقد الولايات المتحدة 40 مليار دولار على مدى 10 سنوات، وأن التبرعات ومشتروات السندات الاسرائيلية، التي تقدر بنحو 60 مليار دولار، تشكل «نزفا صافيا» للاقتصاد الاميركي رغم ان عملياتها تعود للقطاع الخاص. كما يعيد الى الذاكرة المقاطعة النفطية العربية للولايات المتحدة، في أعقاب حرب 1967، التي تسببت في حالة انكماش جعلت الاقتصاد الاميركي يخسر 240 مليار دولار من انتاجيته (بسعر دولار العام 2001). وبنتيجة هذه المقاطعة، ونظرا لتخوف الولايات المتحدة من عودة الدول العربية الى استعمال سلاح النفط ضدها، عمدت الى تشكيل ما أسمته «بالاحتياطي النفطي الاستراتيجي» الذي كلفها، لغاية اليوم، 134 مليار دولار...

والآن تطالب حكومة «رجل السلام»، ارييل شارون، بمزيد من الدعم المالي الاميركي لآلتها العسكرية، فقد تقدمت بطلب 4 مليارات دولار كمساعدة عسكرية إضافية و8 مليارات أخرى كضمانة قروض لمساعدتها على تجاوز حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها... والارجح أن تحصل عليهما عبر «سلة» مساعدات يتوقع أن يمررها الكونغرس، مطلع العام المقبل، بعنوان دعم الحرب على العراق.

حتى الآن، لم يجرؤ رئيس أميركي واحد على خفض المساعدات المباشرة التي تقدمها بلاده لاسرائيل، فهل يمكن التوقع بان يرد الرئيس بوش طلب حكومة شارون لضمانات قروض، وهو الحريص على الا يكرر «الاخطاء» التي حالت دون فوز والده، جورج بوش الاب، بولاية ثانية، وفي مقدمتها تجميد طلب اسرائيلي لضمانات مماثلة عام 1991؟