الموت للمستبدين

TT

أحيانا يفاجأ المرء اثناء تصفحه لجريدة ما بأقوال تدهشه. وقد مررت بهذه التجربة أخيرا وأنا أقرأ خبرا من إيران مصدره وكالة أنباء أسيوسيتد برس حول مظاهر احتجاج الطلبة ضد مواقف بعض رجال الدين المتشددين. تضمن الخبر في أعماقه جملة تقول: «في يوم الأحد هتف ما يزيد على الفي طالب محتجين بعبارة «الموت للاستبداد»، كما أدانوا مجددا حكم الاعدام الصادر بحق أستاذ جامعي بارز».

لم أصدق ما شهدته عيناي وكان لا بد من فركهما. فطلبة إيران الذين عرف عنهم ابتكارهم لشعار «الموت لأميركا» و«الموت للشيطان الأكبر» قرروا ـ من ذاتهم ـ تعديل الاسطوانة. فقد باتوا الآن يرددون عبارة «الموت للاستبداد». ولأنهم يفعلون ذلك ، هناك أمل في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.

على أن هذا يجب ألا يعني أنني تأثرت بشعار واحد. فرجال الدين المتشددون في إيران لديهم القدرة على سحق التوجه الديمقراطي الذي يتزعمه الطلبة، متى ما قرروا ذلك. أجل، لدى هؤلاء مطلق القوة على فعل ذلك، دون أن يتوفر لديهم حد من الشرعية. وذلك هو ما يفسر ترددهم.

لقد فقد رجال الدين المتشددون شرعيتهم في نظر حشد واسع من الايرانيين، خاصة الشباب، ممن استنتجوا أن المتشددين في بلدهم ـ لا أميركا ـ هم الذين يتحملون مسؤولية مصاعب إيران الاقتصادية وعجزها السياسي وعزلتها.

قد لا يتمكن طلبة إيران بهتافهم «الموت للاستبداد» من فعل شيء ما بهذا الخصوص، لكن حقيقة انهم تعرفوا على مشكلتهم الحقيقية باعتبارها ملاليهم السيئين، وليس الأجانب ـ وعلى الحل الحقيقي للمشكلة باعتباره الديمقراطية الحقة، وليس تلك الرؤية المتشددة للإسلام ـ تمثل تغييرا عظيم الأهمية.

ومع ذلك فاليكم أخباراً طيبة. لقد كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تأثير أكبر مما قد يكون البعض اعتقده. فقد كثفت من حدة ما يمكنني وصفه بـ«الحوار» في أوساط العرب والمسلمين. فلسنوات عديدة ظل هذا الحوار قائما بشكل غير معلن، لكن بعض الأصوات الشجاعة انطلقت مؤخرا أمام الملأ، صارخة في وجه صحافتها «الموت للأكاذيب البالية».

وبالنظر إلى ما نشرته جريدة «عكاظ» اليومية السعودية، بقلم الكاتب عبد الله أبو سميح، الذي ينتقد حقيقة ان الأصوليين المسلمين «ملاؤا عقول (بعض شبابنا) بأفكار نظرية متعصبة وبشرح غير دقيق لمعنى الجهاد ـ وتلك أداة لاضطهاد الآخرين والهيمنة عليهم». وفي مقاله ينقل الكاتب ما أورده الجريء عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط»، الذي قال إنه بينما أصيب السعوديون بالدهشة عندما تبين لهم ان العديد من شبابهم تورطوا في الحادي عشر من سبتمبر، «من الأفضل مواجهة الحقيقة بدلا من البحث عن مبررات... ان سبب تطرف شبابنا هو ثقافة العنف التي هيمنت على التعليم الديني، وقد مالت عن تقاليد المجتمع السعودي المحافظ». إذا ما أردنا استعادة السلم والتصالح مع العالم ، كما قال أبو سميح، «يجب إعادة تعليم شبابنا، ويجب نبذ العنف باعتباره فكرة غريبة عن مجتمعنا» (ترجمة مقال أبو سميح أعدتها ميمري).

وهناك أيضا مقال رائع في «الأهرام» أكبر الصحف المصرية، كتبه أسامة غزالي حرب، الذي يقول إن مأزق العالم الاسلامي اليوم ليس ناتجا عن شيء من المخطط الخارجي بل عن حقيقة إنه «بينما التزمت الغالبية العظمى بالصمت، تمكنت الأقلية المتطرفة من الاستحواذ على الدين وها هي تمضي باتجاه مواجهة العالم». ما يحتاجه العالم الاسلامي بشدة، كما يقول حرب، هو نموذج متطور يؤتي ثماره وهو دور يمكن لمصر أن تلعبه أفضل من إيران. لكن»، كما يتساءل الكاتب، «هل تبدو مصر مستعدة للقيام بهذا الدور ؟».

على ان علينا أن لا نبالغ في الحديث عن نفوذ هؤلاء الكتاب أو في تجاهلهم. وعلينا أن نعي أنهم هناك، وان الحادي عشر من سبتمبر شجعهم على الظهور، وانه كلما أسرعنا في إنهاء المسألة العراقية أمكن لنا تهدئة النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وأدى ذلك لاكتساب «طرحهم» المزيد من الزخم.

تمنوا لهم التوفيق فهم أفضل ما يمكن أن نعلق عليه الآمال بشأن إحداث تغيير من الداخل وهو التغيير الوحيد الذي يهم الجميع.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»