الإنسان والطبيعة: حدود التغيير

TT

مع تواصل الجدل بشأن مكونات المواد الغذائية التي يتم انتاجها باستخدام أساليب التعديل الوراثي، حيث يطرح البعض ان هذه الأطعمة «صحية للغاية»، فيما يطرح آخرون «انها تحتوي على أضرار سيكشف عنها الزمن»... باتت عملية انتاج الأطعمة وفقا لتقنية التعديل الوراثي في العديد من الدول، وخاصة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، مقبولة باعتبارها جزءا أساسيا من التطورات التي تشهدها صناعة الأغذية.

وحاليا يقوم عدد من العلماء الأميركيين بجولة في أنحاء العالم للترويج لمثل هذه العملية باعتبارها وسيلة لضمان توفر المنتجات الغذائية التي يحتاجها سكان العالم الذين يقترب عددهم من سبعة مليارات.

أما في الاتحاد الأوروبي، فيبدو ان فكرة انتاج المواد الغذائية المعدلة وراثيا تعتبر تهديدا لصحة الانسان ولسلامة البيئة. حيث يتبنى معارضو هذه العملية موقفا متشددا لا يقل صلابة عن موقف مؤيديها. فيقومون بشن غارات شبه عسكرية على الحقول التي يتم فيها اجراء التجارب الخاصة بانتاج المحاصيل الغذائية المعدلة وراثيا. ومن المتوقع أن تتواصل المواجهة بين المعسكرين لتطرح على منظمة التجارة العالمية خلال أوائل العام المقبل.

ما يثير القلق هنا ليس فقط مستقبل برنامج علمي هام بل مستقبل مئات المليارات الخاصة بتجارة الغذاء العالمية.

اذ تشعر بقية دول العالم بأنها محصورة بين وجهتي نظر. ففي زامبيا، حيث يعاني نصف عدد السكان من الجوع ويتهدد الآلاف الموت نتيجة للجفاف، قررت الحكومة مؤخرا الامتناع عن استقبال مساعدات غذائية أميركية لأنها تحتوي على نوع من الذرة المنتجة وفقا لتقنية التعديل الوراثي.

بينما باتت العديد من الدول الأفريقية والآسيوية تعتبر هذا النوع من المننتجات الغذائية جزءا هاما من طعامها اليومي.

حتى الأسواق العربية باتت مشحونة بالأطعمة المعدلة وراثيا، مع وضع عدد قليل من الحكومات العربية لسياسة جلية بهذا البنW).

هذا الجدل أثار مشاعر البعض ليس فقط بسبب حجم الأموال المرتبطة به بل لأنه يتعلق بمسألة فلسفية وأخلاقية أساسية محورها: الى أي مدى يمكن للانسان أن يتدخل في ما تحتويه الطبيعة؟

وهل يتمتع البشر بحق التدخل في مسائل خلق الأشياء التي تجمع كل الأديان على انها تخص الخالق؟ أو هل يمكن للمرء طرح ان القوة التي تمنحها لنا المعرفة لتعديل بعض الظواهر خدمة للبشرية، لها مرجع سماوي؟

من الواضح اننا لا نستطيع تناول مثل هذه المسائل بالمستوى اللائق ما لم تتوفر لدينا كل الحقائق العلمية. لكن المشكلة اننا بحاجة الى اجراء العديد من الاختبارات والمشاريع التجريبية قبل التوصل الى بعض الاجابات.

وبالتالي فان ما نحتاجه هو تواصل البحوث، حتى ولو كانت وفقا لمسار أكثر حذرا وأفضل سيطرة. فهذه مسألة لا يمكن حسمها فقط من خلال جدل آخر في أروقة منظمة التجارة العالمية.