هل تعرف اليد اليمنى ما تفعله اليد اليسرى؟

TT

هناك قول قديم رائع يصف الموقف حيث «اليد اليمنى لا تعرف ما تفعله اليد اليسرى». وهو يشخص على نحو ملائم المشكلات الراهنة التي تواجه السياسة الاميركية ازاء العرب والمسلمين.

فمن ناحية شرعت ادارة بوش بعدد من المبادرات الهادفة الى نشر رسالة اهتمام الولايات المتحدة بالعرب والاسلام. ومن ناحية ثانية فإن تأثير عدد من السياسات الخارجية والداخلية للولايات المتحدة يعوق رسائل المبادرات الايجابية.

وخلال الشهر الماضي، على سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بجهود لتوجيه رسالة احترام من الولايات المتحدة الى العرب والاسلام. فقد استكملت حملة اعلانية تلفزيونية بقيمة 15 مليون دولار هادفة الى اظهار الطريقة الايجابية التي يعمل ويحيا بها المسلمون في اميركا، بعدد من الاماسي الرمضانية التي اقيمت برعاية البيت الابيض. وحضر الرئيس بوش في المركز الاسلامي بواشنطن وتحدث على نحو متقد عن الدين الاسلامي. وبالاضافة الى ذلك اقيمت امسيات افطار في البيت الابيض ووزارة الخارجية باستضافة من مستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس ووزير الخارجية كولن باول.

تلك كانت انباء سارة، لكن الانباء غير السارة حدثت الاسبوع الماضي عندما اعتقل ما يزيد على 700 مهاجر معظمهم من الايرانيين في لوس انجليس، بعد ان استجابوا طوعا لقانون مثير للجدل من وزارة العدل يقضي بتسجيلهم في دائرة الهجرة والجنسية بحلول العاشر من ديسمبر (كانون الاول).

ويعتبر مطلب التسجيل هذا جزءا من برنامج لوزارة العدل هدفه المعلن هو اخذ بصمات اصابع وتصوير وتدوين المعلومات عن اماكن وجود جميع الاجانب غير المهاجرين القادمين او الذين وصلوا الى الولايات المتحدة في وقت سابق. غير ان هذا القانون لم يطبق، حتى الآن، الا على المهاجرين من 20 بلدا. ومن بين هذه المجموعة هناك 15 من البلدان العربية هي (الجزائر، البحرين، العراق، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، الصومال، السودان، سورية، تونس، الامارات العربية المتحدة، اليمن).

وهناك اربعة بلدان غير عربية، وهي بلدان اسلامية (افغانستان، اريتريا، ايران، باكستان) اضافة الى كوريا الشمالية.

وقد احتجت منظمات الاميركيين العرب وحقوق المهاجرين على هذا البرنامج، مستندة في احتجاجها الى اسس عدة، فقد جادلت اولا، بأن البرنامج يستهدف العرب والمسلمين. وقد القي ضوء على هذه الحقيقة الاسبوع الماضي، عندما استبعد الاميركيون الذين كانوا قد سجلوا اساسا في القائمة من ضمن المهاجرين المطلوب تسجيلهم من قائمة التسجيل بعد ان قام عدد من المنظمات الاميركية بالاحتجاج على ذلك. وجرى تجاهل احتجاجات مماثلة قامت بها منظمات الاميركيين العرب والاميركيين المسلمين.

واشتملت الاعتراضات الاخرى على برنامج التسجيل على: القلق من ان عدم قيام وزارة العدل بالعمل الاعلاني الملائم عن مطالب وشروط التسجيل، يؤدي الى الخشية من ان الموعد الاخير سيمر دون ان يعرف الكثير من المهاجرين غير المقيمين، انهم قد اخفقوا في تقديم المعلومات المطلوبة، مما يجعلهم عرضة للترحيل، فضلا عن الاطار الزمني المحدود الذي توفر للاشخاص المطلوب منهم الاستجابة والتسجيل. وهناك ايضا الافتقار الى التماثل في الكيفية التي عالجت بها المؤسسات الأمنية المعنية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة عملية التسجيل. واخيرا هناك القلق من ان الجهد بأسره، منذ ان اعلن عنه كجزء من مسعى وقف الارهاب، ينطوي على مخاطر تشويه سمعة جماعة من الناس بأسرها باعتبارهم من «المشتبه فيهم».

وقد جرى الاعلان الاسبوع الماضي على نطاق واسع عن النتائج الاولية لهذا الجهد المدرك على نحو سلبي، بعد ان انقضى الموعد الاخير للمجموعة الاولية من المطلوب تسجيلهم (وهم من ايران، العراق، ليبيا، سورية، السودان).

وفي اطار سلطة قضائية لوحدها، في لوس انجليس، يبدو ان ما لا يقل عن 700 من الاشخاص ممن حضروا، طوعا في دوائر المؤسسات الامنية لغرض التسجيل، قد جرى اعتقالهم ويواجهون الآن احتمال الترحيل. وتتمثل المفارقة المأساوية في هذا الموقف في ان الاشخاص المعتقلين كانوا في الواقع يتصرفون استجابة للقانون. واشار محامون على صلة وثيقة بالقضية الى انه بينما اعتبر بعض الاشخاص المعتقلين «خارج الوضع الشرعي» من الناحية الفنية، فإن لدى معظمهم طلبات استئناف قانونية لاعادة تصنيف وضعهم كمهاجرين وهي طلبات تنتظر البت فيها من جانب المؤسسات الامنية المعنية.

هل يمكن لامرئ ان يصدق ان اميركا اكثر امانا من الارهاب، لأن مؤسسة الأمن الداخلي اعتقلت مئات من الاشخاص لديهم طلبات هجرة قانونية بانتظار البت فيها وبدا أنهم مروا طوعا بعملية أخذ بصمات الاصابع والتصوير الفوتوغرافي؟ وعلى نحو مماثل لهذه المسألة، ما الذي سيفعله هذا في مساعي الولايات المتحدة لايصال تسامحها واحترامها للمسلمين والعرب؟

هل تعرف اليد اليمنى ما تفعله اليد اليسرى؟

ومما يثير القلق، في هذا الصدد، الاعلان هذا الاسبوع بأن الولايات المتحدة قررت عدم الاعلان عن «خارطة الطريق» التي طال انتظارها وهي «الخارطة» الخاصة بقضية السلام في الشرق الاوسط والتي اعدت من قبل ما يسمى «الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي. وقد جرى التوصل الى هذا القرار في اطار اعتراض الولايات المتحدة. غير ان اخصائيي الشرق الاوسط في وزارة الخارجية والبيت الابيض كانوا يشعرون بأن اعلانا مبكرا ضروري لاظهار وفاء وحسن نية الولايات المتحدة للعالم العربي ومنح الناخبين الاسرائيليين والاصلاحيين الفلسطينيين املا واقعيا وخيارات واقعية من اجل المستقبل.

وكان السبب الجلي لقرار عدم المضي بهذا الاعلان مرتبطا بالسعي الى عدم التأثير على الانتخابات الاسرائيلية التي ينتظر ان تجري يوم الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل. وما دام يعتقد، على نطاق واسع، بأن رئيس وزراء اسرائيل الحالي ارييل شارون يعترض على الكثير من شروط «خارطة الطريق»، وبالتالي على نشرها، فما الذي يقوله توافق الولايات المتحدة مع اعتراضات شارون للاسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي الاوسع بشأن تعهد الولايات المتحدة بتحقيق سلام شامل في الشرق الاوسط؟

وما دام يوم 27 يناير (كانون الثاني) المقبل هو آخر موعد لاعلان فريق مفتشي الامم المتحدة عن نتائج عملياته الاولية، وبالتالي لاعلان الولايات المتحدة عن قبولها او رفضها لهذا التقرير، فهل ستستقبل الولايات المتحدة نهاية يناير باعلان «خارطة الطريق» وحرب على العراق ايضا؟ وما الذي سيفعله هذا لجهود الولايات المتحدة التي اعلنت عنها ذاتيا من اجل اقامة تحالف واسع لمجابهة العراق؟ هل تلائم القطع بعضها بعضا؟ وهل تعرف اليد اليمنى ما تفعله اليد اليسرى؟