خطوة الاصطفاف خطأ وراء طاغية

TT

تتواصل حملات الكراهية والاثارة في اوساط اميركية موالية لاسرائيل ضد عدد من الدول العربية، موظفة لهذا الغرض مؤسسات وشركات وأجهزة رسمية ومراكز بحوث مرتبطة أو مملوكة للحركة الصهيونية العالمية التي تدير معظمها وتؤثر في البعض الآخر منها داخل الولايات المتحدة وبريطانيا وفي العديد من دول أوروبا.

وينخرط في خدمة المخطط الاجرامي المعادي للعرب والمسلمين، نواب في الكونجرس وكبار الموظفين في وزارة الدفاع والكتَّاب في امهات الصحف والقنوات التلفزيونية.

وتتصدر قائمة الحكومات والشعوب المستهدفة لموجات الحقد والكراهية فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والسعودية، وصولا الى ايران والباكستان واندونيسيا بعد الصومال والسودان.

وعادة ما يتولى هؤلاء الاجراء الاعداء، مهام متابعة الخطط والبرامج المرسومة وتهيئة الظروف والاجواء الملائمة لتحقيق اقصى ما يمكن منها. وكما هو واضح فقد اتقن هؤلاء فن الاستفادة من توظيف كل عمل جنوني ومتهور ترتكبه جماعات تنتمي لامتنا العربية الاسلامية، لكنها تفتقر لقدر كاف من الوعي والادراك والشعور بالمسؤولية يمنعها من القيام بأفعال تناقض كل ما يدعو له ويمثله الاسلام الحنيف من معانٍ وقيم، وما يدعو له عقلاء الأمة من تراحم وتعاطف وتضامن بين ابناء الأمة الواحدة.

والمعيب ان جماعات الأسلمة ورموزها يشذون عن الاجماع، فمنذ نشأة حركة «الأخوان المسلمين» كحزب سياسي يلتحف بالدين سعيا وراء السلطة، دون التقيد بأحكامها والتمييز بين الحق والباطل، وبين الدفاع عن النفس، وبين ارتكاب اعمال انتقامية ضد اناس لا ناقة لهم ولا جمل في رسم او تنفيذ سياسة العدوان، التي ترتكبها حكوماتهم ضد العرب والمسلمين، فنجدهم يقدمون على تنفيذ جرائم بشعة باسم الاسلام في مجتمعات وبلدان الآخرين، تعود بمزيد من احقاد الصهاينة والمتطرفين المسيحيين في امريكا ضد الاقليات المسلمة، حتى امتد الاذى واحاط أمة العرب والمسلمين. وبالتجربة فقد لمسنا كيف فشلت اعمال القتل والنسف في تحقيق انفراج لمعضلة وهي لم تقربنا من حل ممكن لقضية واحدة عالقة من قضايانا، بل زادت المسلمين خسرانا، ولا ادل على ذلك مما شهدناه من تحول في موقف فرنسا المعارض للاصرار الاميركي على شن حرب عدوانية ضد العراق.. وموقف روسيا المعارض للحرب ذاتها. فقد تملكنا الذهول والقلق حال سماعنا خبر تفجير ناقلة زيت فرنسية في المياه الاقليمية الشرقية لليمن.. وعن مجزرة في موسكو، بفعل جماعات شيشانية مسلمة يائسة، واعقبهما حادث تفجير وحريق ناد ليلي في بالي باندونيسيا، وقتل اعداد من السياح اغلبهم من مواطني استراليا، مما اضعف حراك الشارع الاسترالي المتضامن معنا. هكذا تسببت تلك الجرائم، وآخرها فندق جنة في ممباسا، في تراجع مواقف الحكومات المتضررة وشعوبها بفعل عمليات نسبها بن لادن والظواهري وابو غيث الى الاسلام ظلما وزورا، فكسبت اميركا واسرائيل رأيا عاما ضد قضايانا العادلة، وفرضت مفهوماً خاصاً للارهاب على العالم يخدم مصالح يهود اسرائيل واميركا معا.

والمؤسف ان هذا الرهط من جماعات الاسلمة لا يدرك، بل ويرفض ان يعي ويفهم ان اعمالهم الهوجاء ومواقفهم الغوغائية تزيد من أمور المسلمين تعقيدا وتمنح شارون وصهاينة الكونجرس والبيت الابيض فرصا للنيل من شرعية مقاومة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته لمناهضة الاحتلال ومكافحة العنصرية والتصدي لارهاب الدولة، وكلها جرائم ضد الانسانية تمارسها دولة الصهاينة بدعم اميركي كامل.

ومرة أخرى يبرز سؤال.! من أوكل الظواهري وبن لادن (وزعيط ومعيط) مهمة اطلاق الدعوة للجهاد فوق هذا الكوكب، وهم الذين لبوا في وقت سابق نداء CIA ضد السوفيت؟ فهل كان تطوعهم وانخراطهم في حرب ضروس جهادا لوجه الله حقا.. أم سعيا وراء سلطة ونفوذ هاموا بهما عشقا وولعا فحصدوا في النهاية، علقما، واقاموا في اكثر من بيت مناحة على أب أو زوج أو ابن أو أخ إما اسيرا أو مفقودا. ولما كان لكل قضية اسبابها وملابساتها، لا بد لي من التذكير بأن الشعوب والحكومات في الوطن العربي وبلاد المسلمين عامة تعاني من الغلو وأهله، ومن تبعات افعالهم التي تصب في صنع المآسي جنبا الى جنب اخطاء وفشل وفساد وسوء ادارة حكومات هي الأخرى ضحية غياب الخطاب السياسي المقبول، الذي يستجيب لآمال وطموحات الناس ويسهل فرص وقوف الامة وراء حكامها الاسوياء. فالواجب اليوم هو مواصلة سعينا لتحسين صورتنا كعرب ومسلمين امام الشعوب والحكومات الأخرى، واعتبار ذلك مسؤولية يتحملها قادة وزعماء ومفكرون عرب ومسلمون للخروج بالوضع من حالة التردي والانطلاق نحو واقع جديد نصنعه بايدينا بمنأى من املاءات خارجية تحت قناع دعوة الباطل (الامركة بالدمقرطة).

وإذا كانت الولايات المتحدة تسود العالم اليوم فإن تلهية الامة بالحديث عن تضامن عربي للحيلولة دون سقوط صدام الوشيك، بقبول اعتذاره الواهي والاقبح من الذنب، والسير وراء وخلف عصبته في كرنفال غباء سياسي يعتمد اسلوب (المقاوحة) و(المناطحة) ضد اميركا ليس بأمر وارد ولا يجب تصوره بنزوة عارضة قد تستهوي هواة الشهرة والنفوذ على حساب مصلحة الشعوب والاوطان، بل يجب اعتباره مغامرة خاسرة تفقدنا ثقة وعطف ما بقي لنا في العالم المضطرب، وتقضي على الفرصة الاخيرة للتصدي لمخطط تمرير كل اطماع الصهاينة في فلسطين وتبديد خيرات اكثر من بلد عربي واسلامي بغية تجزئته وتمزيقه وخلخلة مجتمعاته.

ولما كان أمر مقاومة الولايات المتحدة والاعتراض على تدابيرها مستعصيا، فإن اليقظة والحذر والتضامن في اتخاذ القرار الصحيح للمرحلة الراهنة لن يتم إلا متى انصرف ولاة أمورنا وأهل الشورى في اوطاننا الى البحث عن حلول للمشاكل والاختلالات التي يرزح تحت وطأتها النظام العربي، والعمل من أجل التوصل لتسوية دائمة لها تناسب كل مجتمع وفق خصائصه وحاجته وظروفه على قاعدة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

ولا بد لنا ان نعيد النظر في عقم وعدم ملاءمة سياساتنا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية لمتطلبات اقليمية ودولية يتم في ضوئها صياغة خطاب سياسي واضح الاهداف والوسائل بلغة مبسطة جديدة يفهمها المتطرفون والمتهورون والمزايدون المغرر بهم في الداخل ليكونوا اكثر اعتدالا ومسؤولية في تصرفاتهم وسلوكهم العام حتى يتفادى الجميع عواقب كوارث آتية لا ريب فيها، وحتى تتجه الأمة وحكوماتها نحو اصطفاف وطني يجتاز صعوبات بلوغ الحلول الممكنة والمتاحة للقضايا العالقة تلغي اسباب الصراعات الجارية في اكثر من بلد عربي واسلامي والتي يراهن عليها الصهاينة وحماتهم في واشنطن وملحقاتها.