لولا بارزاني!

TT

في ختام المؤتمر الذي عقدته بعض فصائل المعارضة العراقية الاسبوع الماضي في لندن.. بل في دقائقه الأخيرة تدارك الزعيم الكردي مسعود بارزاني ما كان سيضيف عيبا كبيرا آخر الى عيوب المؤتمر.

ففي المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد انتهاء اعمال مؤتمر المعارضة دعا السيد بارزاني الى «فتح صفحة جديدة من التسامح والمصالحة الوطنية» بين العراقيين، محذرا من ان يأخذ البعض القانون بأيديهم ويتصرفوا بروح الانتقام ممن اساءوا اليهم.

وهذه الدعوة التي لم تخطر في بال المؤتمرين الاخرين الذين انشغلوا عنها ـ وعن قضايا اخرى حيوية ـ بالتزاحم والتدافع على المناصب في «لجنة التنسيق والمتابعة» وبتأمين الحصص وتثبيت النسب الطائفية وغير الطائفية، تعكس ليس فقط نضجا سياسيا لدى الزعيم الكردي، بل ايضا حسا انسانيا، وكلاهما ـ النضج السياسي والحس الانساني ـ مطلوبان للغاية في العراق الآن وفي المرحلة التالية، فالعراق مقبل على احداث استثنائية (حرب من الخارج او اضطراب داخلي او كلاهما معا)، ونداء كالذي وجهه السيد بارزاني ضروري للغاية في هذا الوقت بالذات.

ومثل هذا النداء كان يتعين ان يصدر عن المؤتمر نفسه، وهو اكبر مؤتمر للمعارضة العراقية منذ عشر سنوات. كان ينبغي ان يوجه المؤتمر دعوة الى كل عراقي وعراقية الى التصالح والتسامح وعدم الانتقام وترك أمر مساءلة المسيئين ومرتكبي الجرائم في حق الشعب الى السلطة القضائية التي ستنشأ في عراق ما بعد صدام.

وبالترافق مع دعوة كهذه كان يلزم كذلك ان يوجه المؤتمر نداء الى اعضاء حزب البعث ومنتسبي الاجهزة الخاصة (الحرس الجمهوري والأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والميليشيات) تحثهم على الانفضاض عن الدكتاتور الآن إن استطاعوا او عندما تحين الفرصة المناسبة، وعلى الا ينفذوا أوامره بالدفاع عنه وقمع الشعب، وتؤكد لهم انهم سيلقون المعاملة الحسنة جزاء لهم على ذلك.

المؤتمرون في لندن نسوا البحث في هذا الأمر، مثلما نسوا الاشارة الى ان قوى وشخصيات وطنية اخرى لم تشارك في المؤتمر لا يمكن اغفال دورها ومكانتها ويتعين التواصل معها، وهو أمر التفت اليه وتداركه السيد بارزاني ايضا دون غيره في الدقائق الأخيرة للمؤتمر.

كما نسي المؤتمرون البحث في الضعف الفاضح لتمثيل النساء في المؤتمر وفي «لجنة التنسيق» مما لا يتناسب مع مكانة النساء العراقيات وكفاءتهن في شتى المجالات ولا مع حقهن بالمساهمة في القيادة ورسم السياسات.

المؤتمرون في لندن نسوا هذا كله، والكثير غيره، من فرط تزاحمهم وتدافعهم على المناصب مع انهم، في زحمة تنافسهم في ما بينهم على اظهار ان لهم انصارا ومؤيدين اكثر من بعضهم البعض، لم ينسوا ان يؤمنوا حضورا في المؤتمر ولجنة التنسيق لاعوان سابقين لنظام صدام.

لسنا ضد معاملة هؤلاء الاشخاص بالحسنى ومد الأيدي اليهم والترحيب بهم تقديرا لهم على ترك صف الدكتاتورية والانتقال الى صف الشعب وتشجيعا لغيرهم على ان يفعلوا الشيء نفسه الآن او بعد حين. لكن هذا لا يعني بأي حال اعطاءهم مواقع قيادية، فترك صفوف الدكتاتورية هو الخطوة الأولى، وما زال الشعب العراقي ينتظر منهم خطوات اخرى لا بد منها، واولها ان يعتذر الذين ضلعوا في جرائم ضد الشعب عما اقترفته اياديهم، وان كان ذلك رغما عنهم. اما الذين لم ينخرطوا مباشرة في تلك الجرائم وكانوا مجرد شهود فالواجب يحتم عليهم ان يدلوا بشهاداتهم ويكشفوا ما يعرفون على هذا الصعيد.

من حق عائلات ضحايا مجزرة حلبجة وضحايا الانفال وضحايا قمع انتفاضة 1991 وضحايا سائر الجرائم الكبرى ان تعرف ما الذي حصل بالضبط وكيف قتل احبتهم ـ وهم بمئات الآلاف ـ واين دفنوا جماعيا، خصوصا انه لم يظهر لهم اي اثر بعد اطلاق سراح كل السجناء والمعتقلين اخيرا، حسبما اعلنت بغداد.

نتسامح.. نعم.. نعفو ونغفر.. نعم، لكن لا يجب ان ننسى. ليس فقط من اجلنا، بل من اجل الاجيال القادمة.. من اجل الا تكابد هذه الاجيال ما كابده الشعب العراقي على مدى عقود متصلة من مآس وويلات.

ومن دون اعتذار ومن دون كشف للحقائق لن تسود روح التسامح والمصالحة ولن يتوقف سفك الدماء.

لقد اخطأ مؤتمر لندن كثيرا في التصرف في قضية لم يكن من حقه ولا من مسؤوليته الفصل فيها.

[email protected]