أزياء الرجال شكل لغليان كبير

TT

يبدو ان جيلا جديدا من الرجال الشباب الذي يعي مسؤولياته ويستطيع التعبير عما يدور في خاطره قد برز في ايران، في اتجاه يتعارض مع ثورة عام 1979الاسلامية.

وأكثر ما يثير فزع زعماء رجال الدين المحافظين، هو شعور هؤلاء الرجال بالاعتزاز بأنفسهم، وقضائهم لجزء كبير من وقتهم ومالهم وطاقتهم، وهم يستعرضون موديلاتهم. كما ان مظاهر الجدل المتعلق بالاعتزاز الشخصي باتت أكثر حدة مع انتشارها في نسيج المجتمع الايراني وارهاقها له. لكن وبينما بلغت مستويات متصاعدة غير مألوفة من التأخير، فان تسييس مظهر الرجال العام ليس ظاهرة جديدة في ايران المعاصرة.

واذا ما تأملنا مسألة العمامة، وجدنا ان غطاء الرأس هذا ظل موضع جدل عاطفي لأكثر من ستة عقود من الزمن. فبعض الرجال اعتبروها شعارا للتميز الديني والمعرفي، فيما اعتبرها آخرون رمزا للتخلف الديني.

وقد تباينت مواقف الأنظمة المتعاقبة من العمامة، حيث حظرها البعض فيما زاد البعض الأخر من شعبيتها. فالشاه رضا بهلوي قرر منع الرجال من ارتدائها خلال الثلاثينات، وعاقب بشدة أولئك الذين امتنعوا عن التخلي عنها. وكان لا بد للقلة ممن ارتدوها أن يحصلوا على اذن خاص بذلك.

لكن وفي أعقاب ثورة عام 1979 أصبح غطاء الرأس هذا علامة بارزة لجمهورية ايران الاسلامية الوليدة. حيث انتشرت بلونيها الأبيض والداكن في كل مكان ـ مع ملاحظة ان اللون الأخير اقتصر على الرجال ممن يعود نسبهم الى النبي. وقد امتلأت المساجد والقصور الرئاسية وقاعات البرلمان والمكاتب الحكومية وشاشات التلفزيون والجامعات بأصحاب عمائم الرأس.

وبعد عقدين من ذلك التاريخ يبدو ان تحولا أصاب الساحة الثقافية في ايران. فقد اختفى أولئك الرجال ممن يرتدون العمائم على وجه الخصوص من الشوارع. وباتوا معزولين في قصورهم، يتحركون بعرباتهم المصفحة، ويختبئون داخل مساكنهم ومكاتبهم الفاخرة ذات الحماية الأمنية المكثفة، كما باتوا يترددون في الظهور في الأماكن العامة.

وبات بامكان المرء أن يشاهد المشروبات الكحولية وأنواع المخدرات ودمى باربي وأطباق استقبال ارسال الفضائيات والصحف المستقلة وموسيقى الرقص الغربية والأفلام السينمائية المحظورة والملابس وأدوات التجميل الغربية، في كل مكان. وباتت أذهان رجال ايران مشغولة باستمرار بأفكار أزياء الرجال الحديثة وبالموضة والوسامة.

وبالاستعانة بالممارسات التي كانت مقصورة في عهد سابق على النساء، يستخدم رجال ايران أجسادهم للتعبير عن وجهات نظرهم الاجتماعية والسياسية. ومن بين أشياء عدة يشير عنادهم الى مواجهة شرسة بين الاستبداد والديمقراطية، بين ما تمليه الحكومة على الناس وما يرغبون فيه.

وبينما واصل بعض الرجال اطلاق لحاهم كما يرغب رجال الدين، اختار آخرون التعبير عن عنادهم بالظهور علنا حالقي الوجه، وهم يرتدون ملابس أنيقة وفي أجمل صورهم. وتنتشر أماكن تجميل الرجال التي تتقاضى مبالغ باهظة في جميع أنحاء ايران حيث باتت العرائس ـ والعرسان ـ ينشدون تجميل أشكالهم.

كما ان أرقام أولئك الرجال الذين يرتدون ربطات العنق وسراويل الجينز وملابس الموضة في تزايد مستمر. وقد باتوا حريصين على أوزانهم ويمارسون التمارين الرياضية ويصبغون شعرهم. وباتوا يستخدمون مثبت الشعر ويجففونه. والبعض منهم أطلق شعر رأسه بطريقة غير مألوفة. كما بدأ البعض بتخريم أجزاء من جسدهم ورسم أشكال من الوشم عليها.

وباتت جراحة التجميل مزدهرة في أوساط الرجال، حيث يحظى تجميل الأنوف بشعبية أكثر، ولا يشعر أولئك الرجال الذين أجروا جراحات تجميل، بحرج وهم يتنقلون في شوارع طهران، وعلامات ما بعد الجراحة بادية على وجوههم. كما بدأت دور السينما الايرانية، التي ظلت ومازالت الى حدما خاضعة لقيود مشددة بشأن ملابس ممثليها، في عرض مشاهد جذابة للممثلين الأنيقين. حتى وسامة الممثلين من الرجال باتت لا تقل عن اناقة الممثلات.

لقد كانت المحافظة على مكانة الرجال المهددة، واحدة من الشعارات الرئيسية التي رفعتها الثورة الاسلامية. وهاهم رجال الدين المستبدون ينتحبون لانحسار نماذج الرجولة الخالدة، ويسعون للتضخيم من حجم الفوارق بين الذكور والإناث وفقا لرؤيتهم.

لكن رجال ايران من الشباب قرروا القاء أجسادهم في حرب غير مألوفة من العصيان المدني، مطالبين بالاستماع الى وجهات نظرهم بشأن الحقوق المدنية والحرية الشخصية، وبشأن شكل العلاقة الجديدة مع العالم الغربي. ويبدو انهم ليسوا مهتمين فقط بجمال مظهرهم الخارجي.

* استاذة مشاركة في شؤون الخليج وقضايا المرأة الفارسية لدى جامعة فيرجينيا. وهي من أصول ايرانية، وقد عادت مؤخرا الى الولايات المتحدة بعد زيارة لموطنها الأصلي ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»