الإصلاحيون يرفعون أصواتهم في «أزادي»

TT

بعد أن أصدرت محكمة ايرانية حكماً بالاعدام على الاكاديمي الاصلاحي هاشم اغاجاري الشهر الماضي، اندلعت المظاهرات الطلابية الأوسع والأكثر استمرارية منذ سنوات في طهران. واذ تتزايد يوماً إثر آخر، كانت وسيلتها المفضلة هي محطة اذاعة «أزادي» التي تشغلها الولايات المتحدة، او «اذاعة الحرية».

وفي كل يوم كان زعماء الطلاب يتصلون بالهاتف الجوال من الحرم الجامعي القلق والغاضب بمكاتب الاذاعة في براغ ويروون، بصورة حية، آخر التطورات. وفي كل ليلة تبث الاذاعة مناقشة مائدة مستديرة تجمع الطلاب والصحافيين في طهران مع زعماء المعارضة في المنفى لمناقشة الطريق الذي تسير فيه حركة الاصلاح. وقد اصبحت الاذاعة وسيلة مؤثرة للتمرد المتواصل بحيث ان المتظاهرين المؤيدين للنظام رفعوا، اخيراً، اعلاناً يقول «الى من تتحدث اذاعة الحرية؟» ـ وهو سؤال توبيخ ساخر اعتبره العاملون في المحطة وسام شرف.

وتنتشر حركة الاحتجاج، التي بدأت منذ خمسة اسابيع، من الطلاب الى العمال، ومن طهران الى مدن اخرى. ويرى فيها البعض تماثلاً مع الحركات الشعبية التي اطاحت بالانظمة الشيوعية في اوروبا عام 1989 ـ بجرعة قوية من المساعدة من جانب «اذاعة اوروبا الحرة»، التي ترعاها الولايات المتحدة. غير انه في هذه الحالة حصلت الدكتاتورية المتداعية على فترة راحة كبيرة. فقبل اسبوعين اختفت «اذاعة الحرية» من البث، على نحو مفاجئ. ولم يعد الايرانيون قادرين على الاستماع الى تقارير مباشرة عن الاحتجاجات، او فرق البحث والنقاش المسائية حول مستقبل بلادهم. وبدلاً من ذلك، وبعد اسبوعين من الصمت الفعلي، يستعاض من البرامج الاذاعية في الاسبوع الحالي بأغان من جنيفر لوبيز وويتني هيوستن وآخرين من افضل مغني الروك.

فكيف استطاع رجال الدين ان يفلحوا في هذه الجراحة الدقيقة التوقيت؟ انهم لم يفلحوا: فالولايات المتحدة هي التي قامت بذلك، في صيغة مديري المجلس الاذاعي. وفي فعل يمزج غطرسة هوليوود بتجاهل مذهل للواقع الايراني، اسكت المجلس محطة اذاعة المعارضة الأكثر تأثيراً في ايران في وقت هيجان لم يسبق له مثيل.

وبدلاً من ذلك، وبكلفة تزيد ثلاثة امثال، ستقوم الولايات المتحدة، الآن، بتزويد طلاب ايران الثوريين بغذاء موسيقى البوب ـ على اساس فكرة أن هذا يقدم مصالح الولايات المتحدة على نحو أفضل.

وحتى اسم المحطة جرى تصحيحه. فبدلاً من «الحرية» ـ الذي يعتبره معدو البرامج سياسياً اكثر من اللازم ـ ستسمى الاذاعة «فاردا» وهو ما يعني «الغد». ولا يهم ان «الحرية» هي ما يجازف آلاف الشباب الايرانيين بحياتهم من اجل الهتاف بحياتها كل يوم في الشوارع.

ويقول ستيفن فيربانكس، المدير السابق لاذاعة الحرية، ان «فرضية الناس الذين قاموا بهذا العمل في واشنطن تستند الى أن الشباب الايرانيين، شأن الشباب في معظم الأماكن، لا يرغبون في الاستماع الى الأخبار». ولكن هذه ليست معظم الأماكن، بل هي ايران، حيث الشباب يقودون تمرداً ضد الدكتاتورية التي خنقت اعلام المعارضة. ويضيف فيربانكس ان زعماء الطلاب الذين اعتادوا على الاتصال هاتفياً يقولون له الآن «انهم يخسرون أصواتهم».

و«أولئك الناس في واشنطن» الذين اشار اليهم فيربانكس يقودهم نورمان باتيز، قطب الاذاعة التجارية في لوس انجليس، والمساهم الديمقراطي السخي الذي كافأه الرئيس بيل كلينتون بتعيينه في المجلس الاذاعي. وباعتباره رئيساً للجنة الشرق الأوسط في المجلس ركز باتيز، اساساً، على الخدمة العربية لاذاعة «صوت أميركا»، التي اعتبرها غير ملائمة في منطقة حيث ينتشر عداء متزايد للولايات المتحدة. وكان الحل الذي طرحه هو تغيير ما سماه «الدعاية ذات الأسلوب القديم» لاذاعة «صوت أميركا» باذاعة «ساوا»، وهي محطة لموسيقى البوب بدأت البث في مارس (آذار) الماضي. وتبث «ساوا» خمس دقائق من الاخبار مرتين كل ساعة، برفقة ويتني وبريتني وعدد قليل من المغنين العرب.

وما يزال الحكم على «ساوا» غير متيسر. ولكن الانباء السارة تشير الى أنه يبدو أن المحطة اجتذبت عدداً كبيراً الى حد ما من الجمهور في دول مثل الأردن ودبي حيث تنتشر الثقافة الاميركية حتى وان كانت السياسة الأميركية على غير هذا النحو. غير ان باتيز، ومستشار برنامجه في واشنطن، بيرت كيلمان ـ المخرج السابق لـ «كيسي كاسم» ـ ما زال يتعين عليهما اثبات ان بوسعهما ان يعززا الجمهور، في الوقت الذي يقدمان فيه مزيداً من الاخبار. والحقيقة أنه ما زال يتعين عليهما ان يقدما وعوداً الى الكونغرس بأن برمجة الأخبار ستزداد الى حد كبير.

ان حجتهما أن الشباب العرب في مدن مثل عمان وبيروت يمكن اجتذابهم عبر الموسيقى الأميركية اكثر مما هو حاصل عبر البرامج الوثائقية المعلبة، ليست حجة غير مبررة. ان ما يتعذر تفسيره أو تعليله هو توسيع ذلك المنطق الى ايران التي يحكمها رجال الدين. اجل ان سكان الاردن الشباب، الذين تحكمهم عائلة مؤيدة لأميركا، غاضبون على الولايات المتحدة، ولكن في ايران، حيث دكتاتورية معادية لأميركا تمسك بالسلطة عبر وحشية مطلقة، فإن الولايات المتحدة وسياساتها تتمتع بالشعبية على نطاق واسع، خصوصاً في اوساط الشباب. وهكذا كانت محطة «اذاعة اميركا» حتى الفترة الاخيرة.

وابلغ باتيز «بوسطن غلوب» على نحو يعكس الاعتداد بالنفس قائلاً «هذا ليس عصر الحرب الباردة حيث الناس المضطهدون تحت سلطة الطغاة، ويمكن ان يستمعوا، في كل مكان، الى ما نقوله». قد لا يكون الأمر هكذا في مصر، ولكن ذلك هو بالضبط ما كان يحدث في ايران، الى ان اوقفت واشنطن ذلك.

ويقول فيربانكس «لقد قمنا بغارات استثنائية. فقد بدأ كل امرئ ينظر الينا باعتبارنا منتدى للنقاش. وفي كل يوم كان هناك طلاب يزودوننا بالتقارير الحية من هواتفهم الجوالة. وهو معيار على مدى الجرأة التي اكتسبوها واصبحوا بها قادرين على القيام بذلك النشاط.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط».