اإهدار فرصة ثمينة للتغيير

TT

مظاهرة احتجاج الطلاب في ايران التي تتواصل منذ عدة أسابيع ـ وهي الأكبر من نوعها خلال ما لا يقل عن ثلاثة أعوام، وقد أدت الى اعتقال العشرات منهم ـ تعكس حالة من الشعور السائد بعدم الرضى عن الأوضاع الحالية، ليس فقط في أوساط جيل الشباب بل لدى عامة الايرانيين الذين ينتمون لجميع الطبقات ومن جميع الأعمار، حيث تسود تطلعات الطلاب نحو الحرية السياسية ونحو حكومة تخضع للمساءلة ونحو الرخاء الاقتصادي والتخفيف من القيود الاجتماعية، بشكل واسع في المجتمع الايراني. لكن استجابة السياسيين تشير ايضا الى الافلاس السياسي الذي يعاني منه المحافظون المتشددون ممن يعارضون الطلبة، ناهيك عن فشل قيادة الاصلاحيين السياسية، والتي تدعم الطلبة.

ويبدو ان المتشددين يحكمون قبضتهم على السلطة بالقوة، لكنهم يفتقدون للأفكار أو السياسات المطلوبة للتعامل مع المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تواجه البلاد، أو مع الايرانيين المسحوقين تحت وطأة هيمنة رجال الدين على السلطة. فرد فعلهم على مطالب التغيير تمثل في اغلاق الصحف واعتقال النقاد والاصرار على مكانة رجال الدين السامية ثم اعتبار المحتجين «عملاء لقوى أجنبية».

أما السياسيون الاصلاحيون، والذين يتمتعون بتمثيل جيد في المجلس النيابي، أو البرلمان، فهم أكثر اقترابا من مشاعر العامة. وهم على أية حال ينتقدون الاعتقالات التعسفية، وتسييس السلطة القضائية، والتدخل في الانتخابات، وقمع الصحافة والحريات الاجتماعية. وقد منح الناخبون أصواتهم للرئيس محمد خاتمي بنسبة عالية ووفروا لائتلاف الاصلاحيين أغلبية مريحة في انتخابات عام 2000، لكن، ورغم بدايتهم المشجعة، الا أن الاصلاحيين على ما يبدو يفتقدون لخطة تتعلق بتحويل هذا الدعم الشعبي الهائل الى سياسات فعالة.

وقد تبين ذلك من خلال استجابة الاصلاحيين الضعيفة لاحتجاجات الطلبة ـ بدءا من التعامل العنيف مع مظاهراتهم خلال عام 1999، وحتى الحملة المضادة التي شنها المحافظون مقدما، قبل ثلاثة أعوام، لقمع آخر المظاهرات. كما ان دعم النواب الاصلاحيين في البرلمان ظل باهتا. فقد اشترك النواب مع الطلبة في انتقاد عقوبة الاعدام التي صدرت بحق أستاذ الجامعة هاشم أغاجاري، الذي دعا الى نوع من «الاصلاح المذهبي» في الاسلام. لكن، وحتى الآن، تجاهلت السلطة القضائية كل ذلك بدون وجل. ويبدو ان تلك الأيام التي اعتاد فيها الاصلاحيون على الدعوة لمسيرات سياسية تضم أنصارهم، أو تشجيع عامة الناس على الاشتراك بفعالية في العملية السياسية، قد ولت.

وبشكل مفهوم يرغب الطلبة والاصلاحيون في تجنب المصادمات مع القتلة المحترفين، خاصة وقد انتشروا بقوة عندما اشترك الآلاف من الناس في المظاهرات التي تزعمها الطلبة خارج مقر جامعة طهران مؤخرا.

ويبدو ان موقف خاتمي وأحزاب الاصلاحيين صائب، وهم يطرحون ان التغيير السلمي عبر العمل السياسي أفضل من التغيير العنيف. لكن الاصلاحيين فشلوا في الاستفادة من فرص عديدة أتيحت لهم لكي يمضوا قدما بتفوقهم السياسي. ونتيجة لذلك، فقد قرر معظم الايرانيين الذين ينتمون للطبقة المتوسطة الابتعاد عن العمل السياسي، وقد يتبعهم في ذلك عاجلا أولئك الطلبة الذين خابت آمالهم.

وبشكل مثير للدهشة يبدو ان معظم المتحدثين الأقوياء عن ضرورة الاصلاح هذه الأيام هم أفراد يتمتعون بشجاعة فائقة، لا ينتمون لاتجاهات أو أحزاب سياسية. فقد حكم أغاجاري بالاعدام لطرحه ان الاسلام لا يطالب الايرانيين بالطاعة العمياء لما يفرضه الزعماء الدينيون. وهناك مثقف آخر هو قاسم سعدي، الذي تجرأ على اعتبار المرشد الأعلى آية الله على خامنئي مسؤولا عن فساد رجال الدين وعن التدخل في شؤون السلطة القضائية.

ويبدو ان أحزاب المعارضة تعلق آمالا عريضة على مسودتي قانونين أمام البرلمان. الأول قد يقنن صلاحية مجلس الوصاية المتعلقة بحرمان بعض المرشحين من خوض الانتخابات، والثاني قد يعزز من صلاحيات الرئيس. واذا ما تم تمريرهما فان ذلك سيعد حدثا بارزا.

على ان تعزيز صلاحيات الرئيس لن يؤتي ثماره اذا ما كان خاتمي غير راغب في مواجهة المحافظين متى ما أرادوا احتكار الدستور ومؤسسات الدولة بشكل مخالف للقانون. فهو بحاجة لاستعراض صرامته التي أبداها في وقت مبكر من فترة رئاسته الأولى، عندما أرغم وزارة المخابرات على الاعتراف بأن عملاءها كانوا على علاقة بجرائم قتل مثقفين ايرانيين وشخصيات سياسية.

على ان الفكرة التي تسلب ألباب البعض في واشنطن وحتى في طهران، حول تمكن الولايات المتحدة من المساعدة في وضع حد لحالة الركود السياسي في ايران، ليست مقنعة. فحكومة بوش تعرب عن دعمها لقوى الديمقراطية في ايران لكنها حتى الآن لم تتمكن من اكتشاف طريقة للتواصل مع الحكومة ومع الجماعات السياسية المنظمة في ايران.

يمكن للاصلاح أن يؤتي ثماره فقط اذا ما كان مصحوبا بزعامة سياسية منظمة ذات عزيمة قوية وبحشد سياسي واسع. وفيما عدا ذلك فإن مساعي الطلبة وغيرهم قد تذهب سدى.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»