الاستبيان المحرم

TT

الذين لا يدرون لماذا تمنع دول كثيرة استطلاعات الرأي، او تمنع اذاعة نتائجها، عليهم فحص قضية الاستبيان الذي تفاعلت احداثه في ايران واعتبره النظام عملا خيانيا وشرع في محاكمة منفذيه، ليس لسبب سوى ان نتائجه محرجة. وكثير من اسباب السرية مردها دفع الحرج لا الحفاظ على المعلومات.

الاجابات اظهرت مفاهيم غريبة بل وخاطئة، مثل اعتقاد اغلبية الذين سئلوا عن الثورة الايرانية ان مصالح اميركية وبريطانية وراء قيام الثورة واستمرارها، افاد بذلك نحو سبعين في المائة من المستفتين. وهذا بالطبع فهم خاطئ تماما لحقائق التاريخ لكنه يعبر عن المعلومات الدائرة في الساحة، ويعكس مزاج الناس بعد 23 سنة من حكم الثوريين البلاد. فاستطلاعات الرأي تعكس تفكير الناس، وثقافتهم السياسية التي تتأرجح وفق الشائع من المعلومات، مضللة كانت ام صائبة. فالثورة الايرانية كانت اقسى الاحداث التي اصابت الحكومة الاميركية، وسببت لها صداعا سياسيا مستمرا، وبالتالي فإن الظن بأنها موالية للحكم فيه خلط بين صورتين لاسباب نفسية، فالايرانيون يحملون كراهية متوارثة ضد الاميركيين وهم في الوقت نفسه غاضبون من اداء النظام في طهران.

ومن بين الاجابات المثيرة، التي وردت في الاستطلاع المحرم، ما عبر عنه 85 في المائة من عوائل القتلى في الحرب العراقية الايرانية بندمهم على ارسال ابنائهم الى الحرب، التي كانوا يعتبرونها مقدسة آنذاك وتستحق التضحية بصغارهم. وشعور الحسرة طبيعي بعد سنين من نهاية تلك الفترة الدامية، واكتشاف كم كانت كل الحرب حماقة، راح ضحيتها نحو مليون ايراني. حماقة كبيرة خاصة في سنواتها الاخيرة عندما اصبح العراق مهزوما ومستعدا للصلح وكانت الحكومة الايرانية آنذاك ترفضه معتقدة انها قادرة على اسقاط النظام العراقي، وهو ما لم يحدث، وقبلت اخيرا بالصلح. وشعور الندم والغضب ملاصق للحروب وتحديدا بين اهالي ضحاياها الاحياء والاموات، في كل مكان تقريبا، وليس في ايران وحدها. واكثر من ثار في المجتمع الاميركي ذوو ومصابو حرب فيتنام، حملات شعواء في الستينات التي اشتهرت في التاريخ المعاصر بأنها تركت بصماتها على التركيبة الاجتماعية والقانونية، وانجبت تيارا كارها للقادة السياسيين من دعاة الحرب.

ومن اهم الآراء التي اظهرها الاستبيان الممنوع في ايران رفض الاغلبية الساحقة تشييد المفاعل الذري، حيث قال سبعون في المائة من المستفتين انهم لا يرون حاجة له. وهذه النتيجة العقلانية لابد ان مردها الاوضاع الاقتصادية الصعبة، وكراهية الناس التورط في مغامرات دولية خاصة مع التهديدات الموجهة للجار العراق.

ومهما قيل عن ضعف ثقافة عامة الناس فان شعورهم لا يخطئ في فهم الاخطار التي تحدق بهم، كما هو الحال في موضوع المفاعل الذري، او مللهم من الوضع الدائم، او التعبير عن غضبهم كما حاولوا الصاق تهمة «الامركة» بالنظام رغم عدم صوابها معلوماتيا.