رسم طريق السلام في منطقة الشرق الأوسط

TT

خلال أعوامي العشرين التي أمضيتها في العمل الديبلوماسي المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، واجهتني أوقات عديدة شعرت خلالها أن مساعي السلام تبدو غير مجدية بالنسبة للأطراف المعنية. لكن أيا من تلك الأوقات لم تكن بنفس حالة فقدان الأمل التي المسها في المنطقة هذه الأيام.

فمن الواضح ان الإسرائيليين، وبعد عامين من العنف باتوا يعتقدون انه لا يوجد شريك للسلام بين الفلسطينيين. أما الفلسطينيون فيتساءلون من جانبهم عما إذا كانت لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية أية خطط تتجاوز سعيها للقضاء على تطلعاتهم بالقوة.

ولا يرى أي من الطرفين إمكانية أي تحول طالما ظل ياسر عرفات زعيما للفلسطينيين. فالإسرائيليون يعتقدون ان عرفات أضفى شرعية على الإرهاب ولم يقنع نفسه أبدا بالعيش معهم. أما الفلسطينيون فيدركون انه لا يقدم أكثر من شعارات عفى عليها الزمن. لكن موقف الطرفين متعارض في ما يتعلق بما يجب القيام به بشأن عرفات. فالإسرائيليون يرغبون في الاطاحة به، بينما يريد الفلسطينيون تهميشه. ويخشى أنصار إصلاح الأوضاع من الفلسطينيين أن ينظر اليهم باعتبارهم أدوات تابعة للولايات المتحدة أو لإسرائيل. وهم لا يرغبون في مواجهة مباشرة مع عرفات، ويطرحون بدلا من ذلك انه من الأفضل المضي قدما في الانتخابات البلدية والتشريعية.

وهذه المشكلة مصحوبة بحقيقة انهم لن يكونوا قادرين على إجراء هذه الانتخابات بينما الجيش الإسرائيلي يحتل جميع مدن الضفة الغربية تقريبا ـ كما ان الإسرائيليين لن يسحبوا جيشهم إذا كانت النتيجة موجة جديدة من عمليات التفجير الانتحاري.

وهكذا إذا لم يتحرك الفلسطينيون من أجل وضع حد للعنف ضد الإسرائيليين، فإن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب، ولن تتم الانتخابات ، ولن يتسنى الإصلاح، كما لن يتسنى تهميش عرفات بالطريقة التي يريدها أنصار الإصلاح.

وإذا ما ترك الطرفان المتخاصمان فريسة لظروفهما فإن لا شيء بينهما سيتغير. وتلك بحد ذاتها إحدى النقاط الحيوية التي يستند اليها مشروع «خريطة الطريق» الرامي لتحقيق خطوات متبادلة متتالية.

خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي وضع الرئيس بوش تصورا لحل الوضع القائم عقب أوسلو. وقد عملت أطراف ما يسمى باللجنة الرباعية ـ التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة ـ على تطوير مشروع خريطة الطريق أملا في الخروج من الوضع الحالي للنزاع استنادا لحل الدولتين الذي اقترحه الرئيس بوش. وعقب ما طرحه بوش في خطابه ذاك، يفترض أن تستند خريطة الطريق الى أداء الأطراف المعنية.

لكن يبدو ان خريطة الطريق التي تسعى اللجنة الرباعية لتسويقها هذه الأيام باتت لسوء الطالع تلقى المصاعب ، الأمر الذي يجعل أداء الطرفين غير محتمل الحدوث ويجعل أهداف الرئيس غير قابلة التحقيق. فهذه الخريطة تعاني من ثلاثة عيوب أساسية.

أول تلك العيوب هو انها تلتزم بأهداف الفلسطينيين الاستراتيجية : نهاية الاحتلال وقبول الاستقلال وقيام دولة فلسطينية ذات معنى. لكن لا شيء في خريطة الطريق يستجيب لأهداف الإسرائيليين الاستراتيجية. فإسرائيل لاتحتاج لوقف إطلاق النار بل لتخلي الفلسطينيين عن العنف بطريقة توضح بجلاء ان هناك فرقا بين الاسلوب المشروع وغير المشروع من أجل مواصلة القضية الفلسطينية.

فمنذ بدء عملية أوسلو لم تتعامل القيادة الفلسطينية على الاطلاق مع أولئك الذين قاموا بأعمال عنيفة ضد الإسرائيليين، على انهم أعداء للقضية. وخريطة الطريق، كما هو حال أوسلو من قبل، لا تقدم شيئا بصدد نزع شرعية الإرهاب والعنف. وحتى يتم ذلك فإن تلك الأساليب ستتواصل، وسيتم اعتبار ان العاملين في أجهزة الأمن الفلسطينية الذين يتم تكليفهم بعمليات الاعتقال، يقومون بما تريد اللجنة الرباعية أو إسرائيل القيام به.

وثاني تلك العيوب ان خريطة الطريق لا توضح بالتفصيل مسؤوليات الدول العربية الحقيقية. وقد يتسنى للقادة العرب تسهيل مهمة أنصار الإصلاح من الفلسطينيين المتعلقة بإعلان عدم شرعية أعمال العنف، إذا ما انضموا اليهم في الإعلان صراحة عن اعتبار أولئك الذين ليسوا مستعدين لحل جميع الخلافات من خلال الأساليب السلمية، أعداء للقضية الفلسطينية.

وبالاضافة إلى ذلك يمكن للقادة العرب أن يساعدوا أنصار الإصلاح من الفلسطينيين من خلال دعم رئيس وزراء فلسطيني من أجل تولي السلطة التنفيذية. وهناك خطوات محدودة يمكنها الإشارة بوضوح إلى أن زمن عرفات قد ولى. وهذه الخطوات قد لا يتسنى للزعماء العرب اتخاذها بسهولة. لكن بالتأكيد ان الإسرائيليين مطالبون أيضا بإتخاذ خطوات شاقة فورية، كتفكيك مواقع المستعمرات التي أقيمت منذ شهر مارس (أذار) عام 2001 وتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بالمستعمرات.

كما ان الولايات المتحدة مطالبة بتحمل عبء ضمان تنفيذ خريطة الطريق. وهكذا عندما يلتقي الزعماء العرب بالرئيس بوش ـ كما سيفعلون بعد الحرب مع صدام حسين، لمطالبته بأن يحقق للسلام نفس النجاح الذي حققه في زمن الحرب ـ يجب أن يتسلح الرئيس بخريطة طريق تتطلب من الزعماء العرب أن يتحملوا مسؤولياتهم.

وأخيرا تتسبب خريطة الطريق الآن في شعور زائف بالدقة. وبالرغم من أنها تضم سبع صفحات من الالتزامات الثنائية، الا انني ومن خبرتي مع الأطراف المعنية أشعر بأن كلاً منهم سيفسر كل نقطة بشكل مختلف.

سيكون لدى الفلسطينيين تعريف واحد لنهاية التحريض. كما سيكون للإسرائيليين تعريف آخر، وقد يكون لدى الأوروبيين تعريف ثالث. وهكذا بالنسبة لتجميد المستعمرات الإسرائيلية وبالنسبة لعمليات الاعتقال التي يفترض ان يقوم بها الفلسطينيون.

وبدلا من توفير أسلوب لتقييم أداء كل طرف، ستصبح كل علامة فاصلة بحد ذاتها نقطة حيوية للجدل، وذلك سيؤدي إلى طريق مسدود آخر أمام صنع السلام.

لا تحتاج خريطة الطريق لأن تكون قضية خاسرة، بل يجب تصحيح افتراضاتها الاستراتيجية، وعلى الزعماء العرب أن يقوموا بواجبهم، كما يجب تحديد جميع العلامات الفاصلة وفقا لمفهوم مشترك. وحينئذ قد تتوفر لرؤية بوش أخيرا آلية يمكن أن تجعل منها حقيقة واقعة.

*مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأقصى، والمبعوث السابق لمنطقة الشرق الأوسط

خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»