أميركا وعقدة الدستور

TT

كأن أميركا لم تذهب الى صناديق الاقتراع، ولم تر جورج بوش وآل غور ينفقان ملايين الدولارات ويقطعان آلاف الاميال خلال الحملات الانتخابية. فبعد أسبوعين من الجدل السياسي والقانوني، وبعد اعادة فرز الاصوات الكترونيا في فلوريدا، وضع حسم نتيجة الانتخابات في أيدى سبعة قضاة في المحكمة العليا في فلوريدا.

ورغم أن كثيرين يعتبرون قرار هؤلاء القضاة حسما لنتيجة المعركة الانتخابية، فإن الطريق لم ينته بعد، والجدل لن يتوقف. كما أن صورة الانتخابات لطخت بالوحل وبالاتهامات التي وصلت الى حد الحديث عن التزوير والتلاعب، مما يقلص هيبة الرئيس الجديد المنتخب «بشق الانفس»، ويهز صورة الرئاسة الاميركية. وفي بلد يعشق فيه الناس التقاضي امام المحاكم في كل صغيرة وكبيرة، ويعتادون على المسرحيات التلفزيونية المطولة، لا يبدو أن مسلسل الانتخابات سينتهي قريباً. فهناك الكثيرون الذين يعشقون الاضواء، ويبحثون عن الامجاد الاعلامية، وهؤلاء لن يجعلوا القضية تنتهي، بل سيواصلون القضايا والمحاكمات.

لقد ادركت أكثرية الاميركيين ان النظام الانتخابي الذي صمم لمواكبة عصر معاملات الخيول وقبل ثورة الاتصالات، لم يعد صالحاً او مواكباً للعصر. ولكن رغم هذا الادراك فإن أميركا تبدو غير راغبة في تعديل النظام الانتخابي. وسبب هذا الامر ليس انتخابيا بقدر ما هو تمنع عن إدخال اي تعديل على الاجراءات والنظم الدستورية القديمة. فالاميركيون لديهم عقدة اسمها «عدم المساس بالدستور»، ولهذا تجدهم يرفضون تقييد حمل السلاح رغم ارتفاع نسبة الجرائم المسلحة وتكرار حوادث القتل الفظيعة في المدارس، وتبريرهم لهذا الرفض أن الدستور ينص على حق الانسان في حمل السلاح. وبذات المنطق يعارضون بعض نصوص الميثاق الدولي المقترح لمكافحة جرائم الانترنت على اساس ان الدستور الاميركي لا يضع حقوقاً على حرية التعبير. ويتمسك المعارضون لأي تعديل على الدستور بأن أي مساس به سيعني بداية عملية لن تتوقف من التعديلات «التي ستزيل معالم دولة الآباء»، وهو رأي يخالف كل قوانين التطور البشري في ما يتعلق بالممارسة السياسية. فالدساتير يضعها بشر، وهي عادة ما تعكس التطورات في مرحلة معينة وتراعي ظروف تلك المرحلة وبالتالي فهي تحتاج الى التعديل والتطوير لكي تواكب المتغيرات وفي بلد ديمقراطي لا يمكن التعلل بالمخاوف من «التعدي» على الضمانات للحريات من جراء التعديلات.

وفي ظل الجدل الذي «لوث» نتيجة الانتخابات الرئاسية تبدو أميركا اليوم في حاجة ماسة الى التخلص من عقدة الدستور وبدء عملية تعيد للانتخابات توازنها وتجعلها أكثر ديمقراطية، وتخلص أميركا من بعض امراضها السياسية والاجتماعية.