نصف ديمقراطية خير من ديمقراطية مزورة

TT

ندرك انه لم تكن في الماضي جمهوريات بل هي وليدة القرن العشرين فقط. ولم يكن في ادبياتنا السياسية ديمقراطية، وان كان البعض منا انكب ينقب في الكتب التاريخية بحثا عن متشابهات لاثباث انه كانت هناك مملكة اسلامية تحكم عبر الاقتراع وينتخب فيها القادة انتخابا. لم يجد احد في تاريخنا شيئا من هذا القبيل رغم محاولات الادعاء بغير ذلك. وهذا لا يعيب النظام الاسلامي الذي قام اساسا على مبدأ العدل في الحكم من دون ان يضع منهجا انتخابيا واضحا للرئاسة او يحدد فترات الحكم بل يعيب الذين يريدون اعادة كتابة التاريخ تعسفا لاثبات ان النظام العالمي الجديد، الحكم الديمقراطي، اختراع اسلامي. الحقيقة انه ليس كذلك.

جرت محاولات القرن الماضي من اجل تجريب الديمقراطية الغربية من فوق بدون بذرها وزرعها وريها من القاعدة، حيث الناس، لهذا باءت، كما رأينا، بفشل ذريع وانجبت انماطا مشوهة لها ومن حافظ عليها اجتهد في تزوير النتائج، وهكذا. ولو طالعنا التجارب العديدة السابقة لوجدنا انه من الضروري، ومن اجل المصلحة العامة، الاعتراف بالعجز عن تطبيق النظام الديمقراطي تطبيقا سليما في ما يخص تحديد الحكم والحاكم، وبالتالي علينا البحث عن بدائل مناسبة. الايرانيون وحدهم الذين اخترعوا نموذجا معدلا يحافظ على طبيعة النظام السياسي المطلوب بقاؤه وفي نفس الوقت يتيح هامشا جيدا تتبدل فيه الحكومات داخل خيمة النظام من دون الحاجة الى التورط في منافسة مع الخصوم ومن دون الحاجة الى ارتكاب التزوير.

في ظني انه اسلوب واقعي، نصف ديمقراطي، والاهم من ذلك عملي جدا يدير شؤون البلاد ويعبر عن رأي الناس ويفسح متنفسا للحركة السياسية ويستوعب الصدامات داخليا بدلا من تلقيها خارجيا. على هذا النمط كان الاحرى بالقيادات العربية، تقريبا تلك التي تعلن انها انتخابية، ان تعترف انها تريد البقاء في الحكم، وان لم تعترف فكلنا نعرف انها ستفعل كل شيء من اجل بقائها مثل حرمان دخول المنافسين، وسن قانون ترشيح واحد للرئاسة لا غيره، او حصر الانتخاب داخل البرلمان، او تزوير النتائج، او ترويع المرشحين، ونحوه.

في نظري ان الاسلوب الايراني سهل جدا ومناسب جدا مع بعض التعديلات. فالرئيس الاعلى يستطيع ان يبقى رئيسا مدى الحياة، رغم ان المرشد يختار من فئة محدودة تمثل النظام، والرئيس الادنى منصبه مرهون بالانتخاب. هذا الهامش من الحرية الانتخابية جعلها عملية سليمة ونظيفة ويمكن احتواؤها داخل الحكم. استمرار الرئاسات العربية في البحث عن وسيلة للبقاء كل مرة يجعلها مهمة متعبة وخطرة، في حين يمكن لهم ان يبقوا مدى الحياة من دون الحاجة الى المواجهات المستمرة، بجعل مناصب اقل انتخابية ونزيهة. وسيقول البعض ان الرئاسة مدى الحياة نظام ناقص وهذا صحيح، الا ان نظاما نصف ديمقراطي على الاقل خير من نظام ديمقراطي مزور.