الانهيار حجرا ونفوسا

TT

انهار الاسبوع الماضي مجمع سكني جنوب بيروت على سكانه وتحول من بيت الى مقبرة، وهو ليس الحادث الاول في لبنان بل ربما كان الخامس من نوعه في عامين. وفي مصر تتكرر الانهيارات المشابهة. وفي كارثة الزلزال التركي العام الماضي تبين ان عدد الضحايا المرعب لا يعود الى قوة الهزة بل الى رداءة الابنية وجشع اصحابها واهمال او (فساد) المسؤولين الحكوميين، وطبعاً الى قلة او انعدام ضمير المهندس.

مرت على لبنان حرب كاسرة دامت 17 عاماً وابنيته صامدة على نحو عجيب ومذهل احياناً. وكان يقال لو وقعت تلك الحرب في بلد آخر لتحول الى رماد في ثلاثة اشهر. لكن المقاتلين الاشداء استخدموا ضد بعضهم بعضا المدافع من كل العيارات وبقيت الابنية قائمة، والسبب ان قلة الضمير لم تكن قد عمت المالك والمهندس والمقاول والموظف الرسمي الذي يمنح الرخصة. فقد اظهرت الكارثة التي دفنت بعض العائلات وشردت البعض الآخر، ان اللبناني فقد حسه الاجتماعي وشعوره الانساني، ولدى وقوع الانهيار ذهب الى المكان وزراء كثيرون ومسؤولون وضباط الدفاع المدني، لكنني بحثت عبثاً عن ممثلي الجمعيات الاهلية والخيرية والمنظمات الخاصة، فلم اجد في الصور المنقولة جاراً يحاول ان يساعد جاره او قريباً يحاول ان يساعد قريبه. واحياناً ارى تجمعاً في مكان، فاكتشف ان الناس واقفة «تتفرج» على حادث اصطدام وكأنه استمرار لبرنامج تلفزيوني.

هل هي الحرب؟ هل هو الواقع الاقتصادي الذي جعل كلا منا يلتفت الى نفسه وحاجته وتبرمه بالدنيا؟ ام هو اعمق من ذلك بكثير. هو الانانية البشرية في واحد من تعبيراتها البشعة عن الذات. وقد قرأت منذ ايام مقالاً في «النهار» بتوقيع «عابر» ولم افهم لماذا يختبئ مثل هذا النبل وراء توقيع مستعار. يتساءل «عابر»: اين هي الرواية (واين هو الروائي) اللبنانية التي حكت هموم لبنان الحالي: همّ الفقر وهمّ التعب وهمّ اليأس، وخصوصاً هم الفقر. ويقول ان الروائي اللبناني اكتفى بالانضمام الى المقاتلين، ينحاز الى جانب هذا الفريق ضد ذاك، ويؤيد القتل وكأن لا ضحايا او كأن الفقر لا يجمع بين هذه الكتل الهائلة من البؤساء والفقراء والمعوزين، الذين يمتنع بعضهم عن الذهاب الى طبيب بالرغم من مرضه المستعصي، لأنه يفضل الموت على الوقوف امام ابواب المذلة.

كارثة المجمع السكني جنوب بيروت ليست في غياب ضمير المهندس والمقاول والمالك، بل هي في غياب الضمير الاجتماعي العام، في غياب التربية الاجتماعية التي تعلم الناس منذ طفولتهم الانضواء والتطوع في اعمال الخير. لقد اصبح الغرب مجتمعاً فاسداً وفاسقاً لكنه تعلم ألا ينسى الاهتمام بالفقراء والمحتاجين. وصحيح ان الجمعيات الخيرية ليست في حجم الحانات او عددها، لكنها هناك، جزء من المجتمع وتكفير عن انهياره.